[خطر دعاة الباطل وخاصة إذا كانوا من أبناء جلدتنا]
تأتي المصيبة وتكون أكبر حينما يكون دعاة الباطل من أبناء جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا، وأظن بل أتأكد أن المخربين الذين نذروا حياتهم للنيل من هذا الدين قد ربوا أفراخاً لهم في بلاد المسلمين، ورعوهم رعاية كاملة مدة من الزمن، سواء كانوا في بلاد المسلمين أو خارج بلاد المسلمين، ثم قذفوا بهم إلى بلاد المسلمين، وحينئذ قاموا بهذه المهمة، وصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين.
وقد حدثنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حديثا عجيباً فاسمعوه، يقول حذيفة عن هذا النوع من البشر الذين يفسدون ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين: (كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، ثم جاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قال حذيفة: فقلت: يا رسول الله! وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قال: وما دخنه يا رسول الله؟! قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، يقول حذيفة: فقلت: يا رسول الله! -اسمعوا لهذه الفقرة الأخيرة- وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قال حذيفة: فقلت: صفهم لنا يا رسول الله! قال: هم قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا).
ومعنى (من جلدتنا) يعني: من أبنائنا وأبناء أعمامنا ومن أبناء أخوالنا ومن أبناء أجدادنا ومن نفس الجنسية، لم يأتوا من الشرق ولا من الغرب، وإنما ولدوا في بلاد الفطرة، وعاشوا في بيوت الفطرة، لكن هذه الفطرة أُفسدت حين تعرضت لعوامل الفساد المعروفة.
وقوله: (ويتكلمون بلغتنا)، أي: اللغة العربية الفصحى، ولربما يتباكون في بعض الأحيان على الإسلام، ولربما يدبجون خطبهم أو أحاديثهم أو يستفتحون كتبهم أو مؤلفاتهم أو مقالاتهم بالتعاطف مع الإسلام؛ ليلفوا الباطل بلفائف من الحقيقة، لكنها مكشوفة.
وأظن هؤلاء لا يحتاجون الآن إلى بحث كبير، فهم يعيشون في بلاد المسلمين وبكل طلاقة، وربما يكونون أصحاب أمور مهمة، أو ربما يحصلون على مراكز كبيرة في بلاد المسلمين، ومن منطلق هذه المراكز يعملون، وهذا يوجد في كثير من بلاد المسلمين، وأكثر البلاد التي أصيبت بالنكبة أصيبت على أيدي شبابها.
قال حذيفة: (فماذا تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك) انتبه رضي الله عنه، ونحن الآن أدركناهم وهي معجزة تحققت للرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فقلت: يا رسول الله! وإن لم يكن يومئذ للمسلمين جماعة، قال: فر بدينك، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)، لكن نحن لا ندعو المسلمين الآن إلى الفرار؛ لأن هذا يُعد من الفرار من الزحف؛ ولأن بقاء المسلمين والمجاهدين والعاملين والمصلحين في الساحة خصوصاً في هذه الظروف أصبح أمراً مطلوباً.
فدعاة الباطل هم أكثر من يشوهون الإسلام، لا سيما إذا كانوا من أبناء الجلدة، وممن يتكلمون باللغة، ولذلك يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند إذ كون واحد بعيد منك ليس بغريب أن يظلمك، لكن حينما يظلمك واحد من قرابتك يصبح ذلك شديداً على النفس أشد من وقع السيف المهند الحاد الشديد على اللحم؛ لأن القرابة يجب أن يحموا هذه القرابة، ويجب أن يحافظوا على اللحم والدم، أما إذا كان من أبناء المسلمين من يطعن في الإسلام فهنا تأتي المصيبة والبلية، بل أنا متأكد أن الطعن الذي حصل من أبناء المسلمين على الإسلام أكثر مما حصل من أعداء الله عز وجل، وتحضرني مناسبتان في هذا: الأولى: هناك رجل اسمه محمد ممن ينتسب إلى الإسلام، وأظنه في مهد الإسلام الأول، يقول في قصيدة لا أستطيع أن أنطق بها، ولكن آتي لكم بشيء من ملخصها: إن تأخر البشرية بدأ من محمد الهاشمي، ومن نزول سورة (تبت)! تصوروا هذا الإفك العظيم، هذا أكثر من الردة؛ لأن الردة معناها: الخروج عن الإسلام، لكن هذا طعن في الإسلام، والله تعالى سمى من يقول مثل هذا المقال إماماً في الكفر، كما في قوله سبحانه: {وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة:١٢]، يعني: هو وراء الردة بكثير؛ لأنه من أئمة الكفر.
وفي نفس الفترة يقول رجل كافر يهودي يدعى برنارد شو عن الإسلام: إن محمداً لو بعث اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة.
فذلك مسلم ويدعى محمداً، وهذا عدو للإسلام يدعى برنارد شو، ذلك يقول: إن نزول سورة (تبت) ومجيء محمد الهاشمي سبب تأخر العالم! وهذا يقول: لو بعث محمد اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة.
إذاً: لا حاجة إلى أن يشتغل أعداء الإسلام من الخارج للطعن في الإسلام وللنيل من الإسلام.
ونتعدى هذا الموضوع؛ لأن هذا موضوع شائك، وننتقل إلى موضوع آخر من الأمور التي تعرقل مسيرة هذا الشباب إلى ربه، وتكون عقبة في طريقهم.