[دعوة عامة إلى التوبة المؤدية إلى الفلاح]
بعد ذلك الله تعالى يخاطب الأمة؛ لأنها معرضة للفتن ومعرضة للخطأ، ولأن من طبيعة بني آدم أنهم خطاءون كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وخير الخطائين التوابون.
فباب التوبة ما زال مفتوحاً، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، حتى الذين وقعوا في الكبائر والذين ينشرون الفساد في الأرض باب التوبة مفتوح أمامهم، حتى الذين حرقوا المؤمنين -كأصحاب الأخدود- فإن الله تعالى يقول فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج:١٠] أي: الذين أحرقوا المؤمنين بدون ذنب إلا لأنهم آمنوا بالله.
ومع ذلك فالله تعالى يقول لهم: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا).
أي أنه تعالى دعاهم إلى التوبة بعد تحريقهم المؤمنين.
فمن نعمة الله عز وجل علينا أن باب التوبة ما زال مفتوحاً، فنقول للرجل الذي أفسد بيته بالمحرمات وبالأفلام: إن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمامك، فعليك أن تبادر قبل أن يغلق هذا الباب، وإغلاق هذا الباب يكون بأحد أمرين: إما بطلوع الشمس من مغربها وهو نهاية الحياة الدنيا، أو بالغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم، وهذا قريب من الإنسان أيضاً، فليس بين الإنسان وبين هذا إلا أن تحضره ملائكة الموت، ولذلك الله تعالى يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].
أي: توبوا جميعاً كلكم، فلا يكون هناك أناس يتوبون وأناس ما زالوا في غي اللهو واللعب، ولا يكون هناك أناس مع الله وأناس بعيدون عن الله عز وجل، ولا تكون هناك توبة في بعض الأمور وإهمال في أمور أخرى، لابد من أن تكون التوبة من جميع الناس وفي جميع الأوامر والنواهي التي شرعها الله عز وجل وسنها.
أما الذين لا يتوبون ويغترون بالصحة أو بالعافية أو بالتمكين في الأرض، أو بأمر من الأمور التي أصبحت مغرية من مغريات هذه الحياة لهم فعليهم أن ينتظروا ساعة الحساب وساعة القدوم على الله عز وجل، فالله تعالى يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].
قوله: (أيها المؤمنون) كما قال في أول الآية التي قبل هذه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:٣٠] فالتقى الطرفان في هذه الآية والتي قبلها، ويسمى في علم البلاغة: تلاقي الأطراف فالخطاب للمؤمنين في أول الآيات، وينتهي بالمؤمنين؛ لأن غير المؤمنين لا ينتبهون لهذه الأوامر ولا لهذه النواهي، ولأن من طبع الله على قلبه وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة لا يسمع هذه الأوامر ولا ينتبه لها، والمؤمن المصدق بأوامر الله عز وجل هو الذي يقبل هذه الأوامر، فالله تعالى يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].
قوله: (تفلحون) أي: تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة، و (لعل) هنا أصلها في اللغة العربية للترجي، لكنها إذا جاءت من عند الله فليست للترجي؛ لأن الله تعالى لا يترجى؛ لأن الترجي يكون من الأدنى إلى الأعلى، فمعناها للتوقع، أي: يتوقع فلاحكم إذا تبتم إلى الله عز وجل.
وإني أنصح كل من أهمل أمره أو بيته، أو أطلق بصره فيما حرم الله أن يأخذ بأمر الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور:٣١]، وأنصح كل من سعى في أمر يريد أن يخدع به المسلمين، أو يريد أن ينشر الفساد في بلاد المسلمين وفي الأمة الإسلامية عن طريق الكتابة، أو عن طريق الفلم، أو عن طريق المكتبة، أو عن طريق التسجيلات، أو عن أي طريق من الطرق التي تعددت في أيامنا الحاضرة أن يبادر إلى التوبة، وأن يطيع ربه الذي يقول له: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور:٣١]؛ لأني أخشى أن لا يفكر في التوبة إلا بعد أن تفوت هذه الفرصة، ويبحث عن هذه الفرصة ولكن لات ساعة مندم.
فأرجو من إخواني الذين ابتلوا بشيء من ذلك -سواء من كان منهم يشيع الفاحشة في المجتمع، أو من يدعو النساء بصفة خاصة إلى التفسخ والفساد، أو من ينشر الفساد بواسطة الأفلام أو بواسطة التسجيلات أو الأشرطة أو التجارة أو ما أشبه ذلك- أرجو أن يتقوا الله عز وجل؛ فإنها أمانة.
كذلك أنصح أصحاب المكتبات الذين ينشرون الصور الفاتنة، والقصص الماجنة، والمسلسلات أنصحهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل، كذلك أنصح الذين يقومون على إعلام المسلمين الذين بدءوا بنشر هذه الأشياء أنصحهم أن يتقوا الله عز وجل؛ فإن الله سائلهم عن هذه الأمانة، وعن كل ما أحدثوا في هذا المجتمع من أسباب الفتنة والفساد ومن نشر الفاحشة بين المسلمين؛ لأن الله سبحانه قال: (جميعاً) أي: سواء منكم من يتقبل هذا الفساد أو من ينشر هذا الفساد، أو من يساهم في إيجاد شيء من هذا الفساد.
جميعاً توبوا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.