للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استنهاض الهمم للتعلق بالمساجد]

والتعلق هنا ليس حقيقة فإن قلوب الناس لا تعلق بالمساجد، وإنما هو كناية عن ارتباط هذا القلب بالمسجد، حتى أصبح المسجد هو مقره الرئيس، فهو عندما يخرج إلى بيته، أو إلى سوقه، أو إلى شغله، أو إلى أمرٍ من أموره، يخرج ويترك قلبه في المسجد، فإذا صلَّى الظهر عد الدقائق واللحظات حتى يأتي وقت العصر، فإذا صلَّى العصر فهو كذلك حتى يحين وقت المغرب وهكذا؛ فهو يرقب الساعة وقلبه معلقٌ بالمسجد، وجل همه وفكره هو الصلاة في المسجد، بل إن جميع شئون حياته، وكل تصرفاته، وبيعه وشرائه، وجميع أحواله يجعلها بعد الصلاة، أي أن الصلاة تتقدم على كل حياته؛ لأن قلبه معلق بالمسجد.

كم هو الفرق بين هؤلاء الرجال، وبين رجال قلوبهم معلقة بزينة الحياة الدنيا ومتاعها؟! حتى إن أحدهم إذا دخل إلى المسجد تجده يصلي وهو يخطط كيف يكسب في هذه التجارة، وكيف يتعامل، وكيف يبيع ويشتري، وكيف يبني ويهدم؟! وأشد من ذلك قوم قلوبهم معلقةٌ بالمحرمات، ينتظرون العطل والإجازات؛ ليفروا من المجتمع المحافظ كما يفر الطير من القفص، إلى بلاد الكفر والفسوق والعصيان؛ ليشبع رغباته وشهواته، وليفسد على نفسه وعلى أمته دينها وأخلاقها.

لقد كان الرسول عليه السلام لا يقدم على الصلاة شغلاً، بل حتى في ساعة المعركة أمره الله عز وجل أن يقيم الصلاة جماعة، والرءوس تتطاير، والدماء تراق، والأنفس تزهق، قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:١٠٢].

هذا هو منهج المسلم، عليه أن يجعل الصلاة أهم أعماله، لا أن يضعها على هامش الحياة كما هو حال كثير من الناس، بل حتى في المعركة، وقد حمي الوطيس، لابد أن تقام الصلاة جماعة، ولو أدى ذلك إلى تغيير شيء من حركات الصلاة وهيئاتها، فيسجد صف ويبقى صف يحرس المسلمين في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية يسجد الصف الثاني ويبقى الصف الأول يحرس المسلمين وهو يصلي.

كم هو الفرق بين هذا الأمر وبين الواقع الذي يعيشه كثير من الناس؟! إذا طال عليهم الليل تخلفوا عن صلاة الفجر؛ لأن البرد شديد، وإذا قصر الليل تركوا صلاة الفجر؛ لأن الليل قصير، وما هذا إلا لأن الإيمان ضعيف في نفوس كثير من هؤلاء الناس، حتى أصبح إيمانهم لا يرشدهم إلى المسجد، فضلاً عن أن يدفعهم إلى الجهاد، وإلى إراقة الدماء في سبيل الله.

إن الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة، ولا يؤذيهم العرق، ولا يزعجهم الحساب: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:١٠٣].