الآثار المترتبة على جعل الزكاة مغرماً
قوله: (والزكاة مغرماً) الزكاة في اللغة: النماء والطهارة.
وفي الشرع: هي جزء من المال فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء يقدمونه للفقراء قربة لله عز وجل، وهذه الزكاة أمرها عظيم، والدليل على عظم أمرها أن الله تعالى قرنها بالشرك حيث قال: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:٦ - ٧] وقد قرنها أيضاً بالصلاة في مواضع كثيرة، فيندر أن تمر بنا آية من آيات الصلاة إلا وتذكر الزكاة بعدها، كما أنها طهارة للمزكي وللمال وللمجتمع، فالمجتمع الذي تؤدى زكاته مجتمع طاهر نظيف، لا توجد فيه اللصوصية ولا الخيانات ولا السطو ولا السرقة؛ لأن هذه الظواهر السلبية غالباً ما توجد في المجتمعات المحتاجة المضطرة.
ولذلك لما تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل يحيى بن سعيد إلى أفريقيا ليجبي الزكاة، فجمع أموالاً عظيمة من الزكاة، وكتب إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: إن الإسلام قد أغنى الناس ولم نجد أحداً يأخذ الزكاة.
فكتب جواباً قال فيه: اشتر بها رقاباً وأعتقهم في سبيل الله.
ولذلك تقول الإحصائيات الرسمية في عصور الإسلام الأولى خلال أربعمائة سنة: إنه لم تقطع فيها إلا أربع أيدي فقط، على اتساع العالم الإسلامي الذي يمتد من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.
ما السر في ذلك؟ السر في ذلك هو أن الإسلام رفع مستوى الناس، سواءٌ أكان من الناحية الاقتصادية، أم من الناحية الثقافية والعلمية، أم مما أشبه ذلك، وعرفهم بالله عز وجل حق المعرفة، ولذلك فإن الزكاة تعتبر زكاة حقيقية؛ لأنها تطهر المجتمع من التحاسد والتباغض والتنافر وغيرها من الأمراض، كما تطهر الفرد من الشح، وتزكي المال وتزيده وتنميه.
أما إذا أصبحت الزكاة مغرماً وخسارة، بحيث إذا طولب هذا الإنسان بهذه الزكاة كأنه يطالب بأن يحمل جبلاً على ظهره، وصارت ثقيلة على النفوس، فمثل هؤلاء الناس حببت إليهم الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة.
ولربما يزيد هذا المال عند هؤلاء فتعجز الأرقام عن حصره أو تكاد، وتعجز البنوك عن استيعابه أو تقارب، ثم إذا بأحدهم يحسب هذا المال العظيم ثم يحسب زكاته العظيمة بمقدار عظمة هذا المال، ثم يغلبه الشح والنفس الأمارة بالسوء، فتصبح هذه الزكاة كأنها غرامة عليه، فيؤديها بثقل وتبرم، ولربما يمنعها فلا يعطيها مستحقها فتزل به القدم، كما فعل الله عز وجل بذلك المنافق الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً.
فقال: قليل تؤدي شكره خير لك من كثير لا تطيقه.
ثم يأتي مرة أخرى ويقول: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً.
فيقول: يا فلان! أما ترضى أن تكون مثل نبي الله، فوالذي نفس محمد بيده لو أردت أن تسير معي جبال الدنيا ذهباً لسارت.
فيأتي في الثالثة ويقول: يا رسول الله! والله لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه.
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم! ارزقه مالاً.
قال: فاتخذ غنماً فنمت كما تنمو الدود، حتى ضاقت بها المدينة، فتنحى بها، فكان لا يشهد جمعة ولا جماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين يأخذان الصدقة من هذا المنافق فقال: والله ما هذه إلا جزية) فأنزل الله عز وجل في هذا المنافق وأمثاله قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة:٧٥] وكلما جاءت كلمة (منهم) في سورة التوبة فالمراد بها المنافقون؛ لأن الله تعالى لم يكشفهم بأسمائهم وإنما أتى في شأنهم بضمير الغائب (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ) {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:٧٦ - ٧٧].
واليوم نخاف على كثير من أرباب الأموال الكثيرة؛ لأنهم حينما يحسبون هذه الأموال والممتلكات ثم ينظرون إلى ربع عشرها فيرونه مالاً عظيماً يضنون بالزكاة ويتخذونها مغرماً، ولذلك من العجيب في مثل هذا الوقت الذي فاض فيه المال أنه يوجد في قارة أفريقيا مائتان وخمسون مليوناً من الناس يهددهم الموت بالمجاعة، وأنا رأيت بعيني أناساً يتساقطون على الأرض من الجوع في بلاد ليس بيننا وبينها إلا هذا البحر، ونحن عندنا -والحمد لله- من الأموال ما نعرفه جميعاً.
ولو أننا اقتصدنا في بذخنا وموائدنا شيئاً قليلاً لأغنينا إخواننا المسلمين الذين تسلط عليهم الكفرة بتنصيرهم وتكفيرهم وتهويدهم بسبب لقمة العيش، خبزة يرسم عليها الصليب ولا يأكلها هذا الإنسان الجائع الفقير إلا بعد أن يرى الصليب بعينيه.
أكثر من عشرة ملايين من المسلمين تنصروا في أندونيسيا بسبب عدم اهتمام المسلمين بهؤلاء المسلمين في أندونيسيا وغيرها، لقد تنصر كثير من المسلمين في أندونيسيا، وفي أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا وفي مناطق كثيرة، ولو أن المسلمين أدوا زكاة أموالهم بهذه النسبة اليسيرة لأغنوا أولئك الفقراء عن أعدائهم الذين لا يقدمون لهم لقمة العيش إلا بثمن، وهذا الثمن أن يتنازل كثير منهم عن عقيدته ودينه.
أيها الأخ الكريم! دعت الكنيسة إلى التبرع فجمعت مليار دولار في يوم واحد، واليوم تقوم جمعيات كبيرة متناثرة في العالم الإسلامي لتجمع شيئاً من المال في أيام فلا تحصل على معشار هذا المبلغ الذي جمع في يوم واحد على يد الكنيسة، وتصور هذا المليار كم ينصر؟ ولماذا اختاروا ملياراً بالذات؟ لأن عدد المسلمين مليار مسلم، فقال بعضهم لبعض: نجمع مليار دولار لننصِّر بها ملياراً من المسلمين.
أي: كل المسلمين.
ولذلك كان من تخطيطهم أن تصبح قارة أفريقيا كلها نصرانية خلال عشر سنوات، ولكن الله من ورائهم محيط، قال عز وجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ} [البقرة:٢٥١].
إضافة إلى أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأمر واجب مطلوب، فهي أيضاً ضمان لهؤلاء المسلمين من أن ينحرفوا عن دينهم، ومن حكمة الله عز وجل أن تسقط الشيوعية، وكنا ننتظر ذلك منذ أمد؛ لأنها قالت: إنها سوف تضع على هذه الأرض جنة أحسن من الجنة التي يعد الله الناس بها في الآخرة.
مع أنهم لا يؤمنون بالله ولا بالجنة ولا بالآخرة، ثم إذا بها تتساقط تحت أقدام المسلمين والحمد لله.
إذاً ليس هناك إلا الإسلام الذي سوف يسد الحاجة ويرد الحق إلى نصابه، ويعتبر سقوط الشيوعية من الأمور المتوقعة؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد:١٧].
وبقي أولئك الذين يقدمون الدرهم والدينار لحرف أبناء المسلمين عن دينهم، فما على هذه الأمة إلا أن تجتهد في الدعوة، وأن تقدم هذا المال في سبيل الله، حتى لا تكون الزكاة مغرماً، أما إذا أصبحت الزكاة مغرماً -أي: ثقيلة على النفوس وغرامة شديدة حينئذ- فلربما يبخل الإنسان بالزكاة فيغضب الله عز وجل فينقطع المطر فيهلك الحرث والنسل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).
فالزكاة أمرها عظيم، ليست فقط ركناً من أركان الإسلام، لكنها إضافة إلى ذلك هي ضمان للفقراء، وحماية لهذا الدين، وضمان وحماية لبقاء الأمة الإسلامية على الأرض، بحيث يشعر هؤلاء الفقراء بحقهم، ولو تعدت هذه الزكاة الحدود السياسية فذهبت إلى أفريقيا، وذهبت إلى جنوب شرق آسيا حسب هذه الحاجة.
والحمد لله على أنه في بلادنا أصبح الفقراء فيها يضاهون الأغنياء.
ولقد رأيت قصر رئيس جمهورية دولة يزيد سكانها على مائة مليون يوجد من فقرائنا هنا من يملك قصراً أكبر من قصر ذلك الرئيس، وفيه من الأثاث أعظم من أثاث قصر ذلك الرئيس.
ارتفع -والحمد لله- هنا مستوى المعيشة، وأصبح الفقراء ملوكاً في أيامنا الحاضرة، ولكن لا ننسى إخواناً لنا تربطنا بهم رابطة العقيدة، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:٥٢]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].