للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العدل مع غير المسلمين]

أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فقد فَقَد درعه ذات يومٍ في معركة صفين، فذكر له أن الدرع عند يهودي، فأخذ اليهودي إلى القاضي شريح، وقال للقاضي: هذا اليهودي أخذ درعي، فقال شريح لليهودي: أأخذت درعه؟ فقال: لا.

فيلتفت إلى أمير المؤمنين علي -وهو الخليفة- ويقول: ألك بينة يا أبا الحسن؟ فيقول: والله ما عندي بينة! فقال: إذاً الدرع لليهودي! فلما ولى اليهودي رجع مؤمناً؛ لأن هذه الأخلاق تدعو إلى الإسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن هذه أحكام أنبياء، الدرع لك يا أمير المؤمنين، تبعتك يوم صفين فسقط منك فأخذته.

انظر يا أخي ماذا فعل العدل!! رد الدرع والحق إلى صاحبه، ودخل رجل يهوديٌ في الإسلام وحسن إسلامه، وانتهت القضية بالعدل، الذي لا يُحكم الناس إلا به.

إن ديننا الإسلامي دين عدل حتى مع غير المسلمين، فلابد أن ينصفَ الكافرُ من المسلم إذا كان المسلم ظالماً، فهذا طعمة بن أبيرق كان رجلاً يدعي الإسلام، وفي ذات يوم سرق سرقة وأراد أن يلصقها برجل يهودي، وارتفع الأمر إلى الرسول عليه السلام، وجاء ناس من قوم طعمة يشهدون أن السارق هو اليهودي، حتى كاد النبي عليه السلام أن يعاقب اليهودي، لولا أن الله تعالى أنزل قرآناً يبرئه، ويأمر الرسول بالعدل والتحري، ويحذر المسلمين من أن يشهدوا ولو مع رجل مسلم ضد رجل كافر.

قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} [النساء:١٠٥ - ١٠٧]، ولو كان مسلماً وذاك يهودي {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً * هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [النساء:١٠٧ - ١٠٩]، ثم أخبر الله عز وجل أن الإنسان إذا عمل سوءاً فعليه أن يستغفر الله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} [النساء:١١٠ - ١١٢]، ولو كان يهودياً، ثم يقول الله تعالى لرسوله الله عليه السلام: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} [النساء:١١٣].

إذاً: هذا هو العدل الذي قامت عليه دولة الإسلام، ولو فتشنا عن أسباب سقوط الأمم؛ لوجدنا أن السبب الرئيس هو عدم العدل بين الرعية، فإن الأمم لا تقوم إلا على العدل ولا تستقر إلا بالعدل، ولذلك فإن العدل هو أفضل طريق إلى الجنة، ولرضا الله عز وجل، ولاستقرار الأمور وهدوئها.