[تركيز سورة الأنفال على الجهاد في سبيل الله عز وجل]
نجد أن في هذه السورة تركيزاً على تقوى الله عز وجل، وعلى الجهاد في سبيل الله، وعلى نزع العاطفة من قلوب المسلمين على هؤلاء الكافرين، حتى قال الله تعالى في هذه السورة:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ}[الأنفال:٥٧]، أو (فشرذ بهم) وهي قراءة سبعية، أي: قطعهم تقطيعاً، حتى الذين أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم منهم أسرى منع الله عز وجل أن يكون هناك أسرى لنبي من الأنبياء حتى يثخن في الأرض، أي: يكثر القتل؛ لأن هذه أول معركة في التاريخ الإسلامي.
وسيأتينا -إن شاء الله- في قصة الأسرى في آخر السورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع كبار الصحابة وقال:(عندي سبعون أسيراً ماذا أفعل بهم؟) فمنهم من قال: يا رسول الله! هم إخواننا وأبناء عمنا نأخذ منهم فداء، فقام عمر وقال: يا رسول الله! أرى أن تسلم لكل واحد منا قريبه ليقطع عنقه الآن، حتى قال بعض الصحابة: أرى يا رسول الله! أن نجعلهم بين جبلين فنحرقهم بالنار، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما نظر إلى هذين الرأيين، وإنما أخذ الفداء، حتى أنزل الله تعالى العتاب لرسوله صلى الله عليه وسلم:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[الأنفال:٦٧]، ثم قال بعد ذلك:{لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[الأنفال:٦٨]، أي: لولا أن الله تعالى غفر لأهل بدر لأصابكم العذاب؛ إذ كيف تأخذون الفداء من الأسرى مع أنها أول معركة في التاريخ، ويجب على المسلمين إذا كانت معركتهم الأولى مع عدوهم أن يشردوا الكافرين، وأن يقطعوهم تقطيعاً.
ولذلك يقول المفسرون: إن الله تعالى لم ينزل بسم الله الرحمن الرحيم بين الأنفال وبين التوبة، مع أنه لم تنزل سورة من القرآن إلا وفي مقدمتها (بسم الله الرحمن الرحيم) يقولون: حتى لا تكون هناك رحمة في قلوب هؤلاء المؤمنين لهؤلاء الكافرين؛ لأن سورة الأنفال نزلت في القتال، وسورة التوبة نزلت أيضاً في القتال، إلا أن سورة الأنفال نزلت تتحدث عن موقعة بدر، وسورة التوبة تتحدث عن غزوة تبوك مع أحداث أخرى.
وعلى كلٍ نقول: هذه السورة جلها نزل بعد غزوة بدر الكبرى مباشرة، ونزل في بدر بعض الآيات منها.