للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية الصالحة]

أولاً: التربية الصالحة.

والتربية الصالحة تبدأ من اختيار الزوجة الصالحة؛ لأن الزوجة الصالحة تعتبر تربة طيبة لبذور صالحة، فإذا وضعنا هذه البذور الصالحة في تربة صالحة نضمن بإذن الله عز وجل وجود أولاد صالحين، ولذلك لا نعجب من اهتمام الإسلام باختيار الزوجة، فقد قال تعالى: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:٢٢١]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فاظفر بذات الدين) فيجب أن تكون التربة صالحة لتكون بيئة صالحة للذرية الصالحة.

ثم بعد ذلك يأتي دور التربية ابتداءً من سن الطفولة التي يقول علماء النفس وعلماء الاجتماع عنها: إن السن السابعة هي السن المناسبة لتربية الأولاد في البيت وفي المسجد أيضاً.

ويؤيدهم الحديث الصحيح: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع)، ثم لا يزال يلزم الرجل أن يتعاهد هذه الذرية تربية وإعداداً وتجهيزاً وإصلاحاً حتى يأتي سن العاشرة، فلا بد من أن يزيد في أمره لأولاده بالصلاة حتى يعيشوا مع الصالحين في المساجد، حتى إذا بلغ أحدهم الحلم فلا بد من أن يكون هناك المعيار الواضح بين الإيمان وبين الكفر.

إذاً التربية الصالحة لا بد منها، وهذه التربية أول من يبدأ بها الأم، ثم الأب، ثم المدرسة، ثم الجهات الأخرى التي لها دور في إصلاح هذه الذرية، ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال: (كل مولود يولد على الفطرة).

إذاً أنت -أيها الأب- وأنتِ -أيتها الأم- لستما مسئولين عن أن توجدا الفطرة في قلب هذا الإنسان، ولكنكما مسئولان عن المحافظة على هذه الفطرة حتى لا تعتريها أشياء تخلّ بها، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) أي: بسوء التربية.

ثم إن هذه التربية أول من يستفيد منها ذلك الأب الذي ربى أولاده على طاعة الله، أو تلك الأم التي ربت أولادها على طاعة الله، وهذه الفائدة تكون في الدنيا بالبر والاستقامة والمحبة والتعاطف والتآلف، وفي حياة البرزخ يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) وتكون أيضاً في الحياة الآخرة، كما قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد:٢٣ - ٢٤].

بل إن الله عز وجل أخبرنا في آية أخرى أن الأب الصالح إذا خلف أولاداً صالحين صلاحهم لا يصل إلى درجة صلاح الآباء فإن الله بكرمه يرفع الأبناء درجة إلى درجة الآباء، ولا يخفض الآباء درجة إلى مستوى الأبناء، وذلك من أجل أن تقرّ العين، ولا يكون هناك ظلم ولا هضم، قال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:٢١] يعني: ما نقصنا الآباء عملهم فأنزلناهم إلى درجة الأبناء، ولكن حتى لا يتعلق الولد بأولاده ولا يتعلق الولد بآبائه يرفع الله تعالى الولد، ثم يقول الله تعالى بعد ذلك: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:٢١] حتى لا يقول أحد من الناس: إن أبي فلان الرجل الصالح، أو الرجل التقي، أو الرجل العالم.

ولكن يجب أن يكون القائل هو الرجل الصالح، أو الرجل الورع، أو الرجل التقي.

أيها الأخ الكريم! هذه هي نتيجة البر في الدنيا وفي الآخرة؛ ولذلك نقول: يجب أن تتضافر كل الجهود، فالمدرسة تقوم بشيء من هذا الدور، والمعلم أمين ومسئول بين يدي الله عز وجل عن هذه الأمانة التي يقوم بتربيتها وإعدادها، والوسائل التي أصبحت الآن لها دور في انحراف الشباب أو استقامة الشباب ستتولى هذه المهمة، وسيُسأل بين يدي الله عز وجل من يقوم عليها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون عن الدور الذي تقوم به في تربية هؤلاء الأولاد أو في انحرافهم.

كذلك وسائل الإعلام، ووسائل النشر، والأندية الرياضية إلى غير ذلك من الوسائل التي أصبحت الآن تسيطر على عقول الناس أكثر مما يسيطر عليها الأب والأم، كلها ستتحمل بمقدار ما تقدمه من نفع أو ضر توجهه إلى هذا المجتمع، وما يكون لذلك من نتائج طيبة أو نتائج سيئة.

فالكل مسئول، والدولة بمقدار ما تستطيع أن تقدمه للمجتمع من وسائل هي مسئولة بين يدي الله عز وجل عما يحدث تحت ظلها من استقامة أو انحراف، وحينما يكون هناك أشياء تؤثر في الفطرة، أو يكون هناك دعاة للضلال يريدون أن يحرفوا الشباب والنشء عن منهجهم فإنه بمقدار ما يُعطَى هؤلاء الناس من الحرية المنحرفة فإن الله عز وجل سوف يسألهم يوم القيامة عن هذه المسئولية الكبرى.

إذاً حينما نقول: (التربية) فإننا نعني أكبر وسيلة من وسائل الاستقامة، ونقول: كل من استطاع أن يقدم جهداً في سبيل استقامة الناس فإنه يؤجر بمقدار ما يقدمه من هذا الجهد، وكل من أراد أن يقدم ضرراً وانحرافاً إلى الناس في المجتمع فإنه سيتحمل المسئولية بين يدي الله عز وجل.

ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته) وكلمة (كلّ) تعطينا أن كل واحد من الناس بمقدار مكانه وموضعه في هذا الوجود وفي هذه الدنيا سيتحمل من هذه المسئولية بمقدار ما مكّنه الله عز وجل، ولذلك فإن الله تعال مدح ولاة أمر المسلمين الذين يستقيمون على دين الله فقال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:٤١].

فهذا يعتبر هو العامل الأول من عوامل الاستقامة، وهو: التربية الصالحة.