للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فساد وسائل الإعلام]

إن فساد وسائل الإعلام من أخطر الأشياء على الأمة؛ لأن الإعلام بتقنيته الحديثة وصل إلى قعر بيوت المسلمين، وأصبح البيت بكامله بنسائه وأطفاله يشاهد أفلاماً أتت من بلاد لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، وهذه الأفلام تفتقد الرقابة التي تخشى الله عز وجل في كثير من الأحيان، فتصل هذه الأفلام إلى قعر بيوت المسلمين فتنشأ ناشئة من أبناء المسلمين تشاهد الرقص والغناء في مستهل حياتها وفي أيام نعومة أظفارها، ولربما تصاب بالازدواجية في فهمها حينما ترى هذه الناشئة القرآن يتلى بجوار أغنية، أو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بجوار مسرحية مختلطة أو ما أشبه ذلك، فتنشأ هذه الناشئة لا تفرق بين الحلال والحرام، ولا تعرف الخير من الشر؛ لأن هذه الازدواجية قد انطبعت في أذهانها منذ طفولتها ومنذ أيامها الأولى.

فإعلام المسلمين عندما يصنع في بلاد الكافرين يؤثر في حياة كثير من الأمم، ولعل أكثر ما يحدث من الفتن التي تشمئز لها القلوب المؤمنة والتي تحاول أن تخرج المرأة من إطارها لعل ذلك جاء من وسائل الإعلام، بل لا شك أنه جاء من وسائل الإعلام، فشوهت الحقائق، حيث جعل الإعلام تعدد الزوجات جريمة في المجتمع، والإتيان بفتاة أجنبية من الخارج أجمل من الزوجة لتقوم بالخدمة داخل البيت يعتبر هذا تطوراً وتقدماً، وكذلك الإتيان بسائق يخلو بالأهل من زوجة وأخت وابنة ويذهب بهن إلى المدرسة وإلى السوق يعتبر هذا من التطور والرقي والتقدم إلى غير ذلك، إضافة إلى ما تبثه وسائل الإعلام من اختلاط بين الجنسين تثبت للناس أن الاختلاط ليس بشيء مشين وإنما هو رقي وتقدم، وأن الذين يدعون إلى عزل المرأة عن الرجال إنما هم أعداء للمرأة، وأن المرأة باستطاعتها أن تنتج أكثر مما ينتجه الرجال، إلى غير ذلك من الأمور التي وصلت إلى قعر بيوت المسلمين.

فمن كان يتصور أن بيوت المسلمين -بل أقول: وجل بيوت العلماء والصالحين إلا ما شاء الله- انتشرت فيها هذه الأفلام، ووصلت إلى قعرها هذه المسلسلات؟ من كان يتوقع هذا في يوم من الأيام؟! لقد مضت فترة ليست بالبعيدة كنت تقف عند بيت رجل من هؤلاء الصالحين أو العلماء لا تسمع إلا دوياً كدوي النحل من تلاوة كتاب الله والبكاء من خشية الله عز وجل، ثم إذ بهذه البيوت تتحول إلى هذا المستوى، حتى في الثلث الأخير من الليل لا تسمع إلا اللهو واللعب والرقص والموسيقى، فهذا من أعجب الأمور التي ما كان للعقل أن يتصورها لولا أن أصبحت خبراً وأمراً لا شك فيه.

حتى على متن الهواء في الطائرة على بعد آلاف الأمتار عن الأرض تنشر هذه الأفلام، وفيها الجنس وفيها الحرام، وفيها أمور تقشعر منها نفوس المؤمنين، وكان المشركون قبلنا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فهل المشركون الذين يعبدون الأصنام من دون الله وهم على سطح الماء يخافون من الله عز وجل أكثر ممن يخاف هؤلاء الموحدون وهم على متن الهواء بين السماء والأرض؟! إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن كثيراً من القلوب قد أشرب بمعصية الله عز وجل، وأن هذه الأمة يخطط لها تخطيطاً رهيباً، وأنها قد فقدت -أو كادت أن تفقد- خشية الله عز وجل حتى على متن الهواء بين السماء والأرض.

إن وسائل الأعلام خطيرة، وإن أكثر الفساد الذي حل في المجتمعات الإسلامية بصفة خاصة والمجتمعات الإنسانية بصفة عامة من وسائل الإعلام، وإني أحذر من هذه الوسائل التي لم تدع بيت شعر ولا مدر إلا دخلته، فاحذرها وحاربها بكل ما أوتيت من قوة.