للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة هي الأصل والانحراف أمر طارئ]

وبعد أن عرفنا معنى الاستقامة ومعنى الانحراف نتجه إلى بيان أيهما الأصل: الاستقامة أم الانحراف.

الأصل هو الاستقامة، ولذلك يقول الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة:٢١٣]، أي: على التوحيد وعلى الإيمان {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة:٢١٣]، والمفسرون يقولون: قبل (بعث) كلمة محذوفة تقديرها: فانحرف الناس فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.

ولعل هذا هو أرجح الآراء التي ذكرها المفسرون في معنى قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)، أي: على دين الإسلام وعلى الفطرة وعلى التوحيد، فانحرفوا (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ).

ويؤيد أن الأصل هو الاستقامة لا الانحراف قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:١٧٢ - ١٧٣]، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الآية: (إن الله استخرج ذرية آدم كالذر، فأخذ قبضة بيمينه وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبال.

وأخذ قبضة أخرى فقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي.

فقالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له).

ويبين هذا أيضاً ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء - أي: على الفطرة وعلى التوحيد- فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

وبمجموع هذه الأدلة كلها ندرك أن الإنسان خلق على الفطرة، وأن الأصل هو الاستقامة، وأن الانحراف يعتبر هو الطارئ وهو الذي حدث على حياة الناس، ولذلك فإن الله عز وجل قد حذر الناس من الانحراف وأمرهم بالاستقامة.