ومن هذه العقبات فساد الإعلام في بلاد المسلمين، والله المستعان! فماذا نقول عن الإعلام الذي بخدمته التقنية الحديثة ما ترك بيت شعر ولا مدر إلا ووصل إليه بصحفه ومجلاته وتلفازه وإذاعته وأشرطته إلى غير ذلك؟ فإذا كان يوجه ضد هذا الدين فإن الداعية والمصلح يقف في حيرة، وإن كان مطالباً أن لا يقف، وقد يقف مندهشاً ماذا يفعل، ويقول كلمة وتأتي هذه الوسائل بكلمات كثيرة، ويقول حقاً فيقع كلامه موقعه في نفوس كثير من الناس، فإذا بهذا الإعلام كالمساحات يتابعه، فلا يستقر خير في قلوب الناس وفي عقول الناس إلا وتأتي هذه المساحات تمسحه بسرعة؛ لأن الهبوط أسرع من الصعود بطبيعته، ولأن الإفساد أسرع من الإصلاح.
فالإعلام لا نستطيع أن نقول عنه أكثر مما قاله كثير من إخواننا، فمن كان يتصور أن بيوت المسلمين بهذه السرعة الهائلة التي لا تتجاوز عشرين سنة تتحول من أعلى القمة إلى ما وصلت إليه اليوم؟ لقد كنا إذا وقفنا عند بيوت الصالحين والعلماء وأهل الخير لا نسمع إلا دوياً كدوي النحل في كتاب الله عز وجل، ولا تسمع في جوف الليل إلا نحيباً في صدور الصالحين الخاشعين بين يدي الله، لكن قف الآن عند أبواب كثير من الناس حتى العلماء وحتى الصالحين -إلا من شاء الله- فلن تسمع إلا اللهو والموسيقى والمسرحيات والمصائب والبلاء الذي ما ترك أمراً، بل إنه يقع بين السماء والأرض، ونعجب كثيراً حينما نركب طائرة ما ثم نرى الأفلام التي تزعج المسلم، ونقول: سبحان الله! المشركون الأولون الذين كانوا يعبدون الأصنام يخافون الله أكثر من هؤلاء الناس، فأولئك كانوا إذا ركبوا في الفلك وهم على سطح الماء دعوا الله مخلصين له الدين، وهؤلاء في الهواء على متن الطائرة وعلى بعد عشرات آلاف الأمتار من الأرض وتنشر فيهم الأفلام والمحرمات.
إنه أمر عجيب يحار فيه المسلم، ولكن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم! إنا نشهدك أن هذا منكر فلا تؤاخذنا بهؤلاء، ونخاف -والله! - أن تتحطم الطائرات بين السماء والأرض لولا أن الله عز وجل يمسكها برحمته وكرمه، قال عز وجل:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[فاطر:٤٥].
فالإعلام لابد من أن يصلح من قبل الدولة، وإذا لم يصلح من قبل دولة إسلامية فلابد من أن تصلحه الشعوب، وأقصد بإصلاح الشعوب أن تبذل الجهد في سبيل مناصحة هؤلاء المسئولين، وإذا عجزوا فعليهم أن يحيطوا بيوتهم بسياج منيعة حتى لا تصل إليها هذه الأفلام، فإنهم يشوهون تاريخ الإسلام في كثير من الأحيان.
فمثلاً: يأتون برجل صالح من سلفنا الصالح وبجواره زوجته سافرة، وكأنه يقول لك: هذا هو الإسلام.
فهذه المرأة سافرة أمام هذا الرجل الصالح من سلفنا، وهذا هو الاختلاط.
إنها مصيبة وبلاء، فلابد من أن نصحح هذا المفهوم، وأنا أخشى أن تنشأ ناشئة في البيوت تظن أن هذا هو الإسلام وأن هذه هي حياة سلفنا الصالح رضي الله عنهم الذين سبقونا بالإيمان.