[أسباب انتشار فتنة النساء في بلاد المسلمين]
يقول الله عز وجل بعد ذلك: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:٣١] أعادها مرة أخرى؛ لأن إظهار الزينة أمر خطير، ولذلك لا تعجب من أن يتكرر اللفظ مرتين في آية واحدة، فقد جاء في أول الآية: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) وجاء مرة أخرى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)؛ لأن هذه الزينة فتنة، ولأنها بلاء وشر مستطير حينما تظهر المرأة زينتها أمام غير محارمها، ولذلك اشتعلت نار الفتنة في بلاد المسلمين لأسباب، منها: أن المرأة خرجت متبرجة متزينة، وأظهرت شيئاً من جمالها فأشعلت هذه الفتنة، سيما في نفوس الشباب العزاب، خاصة الذين لم يتمكنوا من الزواج لأسباب منها: الاختلال الموجود في أنظمة المجتمع، أو في الأنظمة الاقتصادية وما أشبه ذلك، فمن أكبر الفتن أن يكون هناك تبرج مع وجود عزوف من الشباب عن الزواج، أو عجز من الشباب عن الزواج، ولقد أصيب العالم في هذا العصر بفتنة أخرى وهي وسائل التقنية الحديثة التي انتقلت إلى بلاد المسلمين، فنقلت الصورة الثابتة والصورة المتحركة، ونقلت الأفلام والعراء، وواكب ذلك وجود دعاة للباطل، يريدون أن تشتعل الفتنة وتنتشر في هذا المجتمع، فصاروا يبثون هذه الأفلام وينشرونها في بلاد المسلمين.
وهذا شيء لا يطاق، ولذلك أقول: علينا أن نتقي الله عز وجل، وأن نحفظ بيوتنا، فإن أعداء الإسلام ما أرسلوا لنا هذه الأشياء محبة لنا، أو رغبة في ترفيهنا، أو إرادة في أنسنا وسعادتنا، وإنما أرادوا أن نفسد ونسقط من عين الله عز وجل، والله تعالى يقول لنا في القرآن: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧] ليس ميلاً فقط، وإنما ميل عظيم، ولذلك فإن وجود هذه المغريات وهذه الدعوات سواء أكانت عن طريق رؤية المرأة مباشرة، أم عن طريق دعوة إلى سفور المرأة أو إلى انفلاتها من القيد، أو إلى عدم انضباطها بأوامر الله عز وجل التي فيها الخير والسعادة للمرأة، أم وجود رجال يندسون في المجتمع يقولون: إن المرأة عندكم متخلفة ومحتقرة.
أو يقولون: إن مجتمعكم مجتمع معطل لا يتنفس إلا برئة واحدة.
وفي الحقيقة هم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه ما جاء نظام ولا دين ولا منهج قط أعظم من الإسلام يحترم المرأة ويكرم المرأة ويرفع من منزلتها، وهم يعرفون كيف كانت المرأة قبل الإسلام، وكيف كانت المرأة بعد الإسلام، لكنهم يريدون -وهم يتبعون الشهوات- أن تميلوا ميلاً عظيماً، سواء أعداء الإسلام من الخارج، أو كانوا من أبناء جلدتنا الذين يتقمصون أخلاق الكافرين، ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، كلهم متفقون على إفساد المرأة، وأشد ما يكرهون المرأة المحافظة، وهم يحرصون على البلاد التي ما زالت فيها بقايا خير، بل -الحمد لله- فيها خير كثير، يركزون عليها أكثر من أي بلدة أخرى؛ لأنهم يرون أن وجود هذه الأخلاق والفضائل والمحافظة عليها في هذا البلد إنما يهدد مخططاتهم ويفسد مفعولهم ويبطل إرادتهم.
فالمهم أن هذا غزو فكري عجيب متتابع منصب على بلاد المسلمين، وحرص شديد على البلاد المحافظة، وعلى المنطقة التي حماها الله عز وجل برجال عندهم غيرة وأخلاق وخشية من الله عز وجل، وبنساء صالحات رفضن كل هذه الدعوات.
إذاً لا تعجب، فإن ما حصل ليس بالصدفة؛ لأنه ليس في هذا العالم شيء صدفة، وإنما هو بإرادة الله عز وجل، والله تعالى يقول: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:٢٠].
إذاً حرص أعداء الإسلام على المرأة من عدة جوانب منها: أرادوا أن تفسد المرأة في المجتمع، وأن تتفسخ وأن تخرج متبرجة، وأن تخرج شبه عارية من أجل أن يفسد هذا المجتمع، وإذا عجزوا عن امرأة المجتمع أن تصل إلى هذا المستوى الهابط فإنهم سوف يأتون لها بالصور وبالمناظر المزعجة المؤثرة التي لربما تتأثر بها بعض النساء؛ لأن النساء بطبيعتهن يعشقن كل جديد، ولديهن العواطف أكثر من العقول، ولربما تتغلب العواطف عند النساء أكثر من العقول فتغلب العقولَ، ومن هنا تتأثر بهذه الموضات.
وهذه الأفلام التي غزت بيوت المسلمين من عراء وعشق وغرام ومسلسلات وأفلام كل هذه تشكل خطورة، وكلها تضاد وتحارب قول الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:٣١] إلى غير ذلك.
ثم يقول تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أياً كانت هذه الزينة، سواء أكانت زينة الجسد، أم زينة اللباس، أم زينة التقاسيم للجسد، أم الطيب؛ لأن الطيب يفتن كما يفتن أي نوع من أنواع الجمال، أم المزاحمة والاختلاط بالرجال الذي يسعى إليه أعداء الإسلام، ويقولون: إنهم يريدون أن يشغلوا المرأة حتى لا يبقى هذا المجتمع يتنفس برئة واحدة كما يقولون!