[حقيقة الصيام]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! اتقوا الله تعالى، واعلموا أن للصيام حقيقة وصورة، أما الصورة فتلك الأفعال التي يفعلها الناس؛ حيث يدعون الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما حقيقته: فهي ترك الحرام كله؛ ابتغاء مرضاة الله، وخوفاً من ساعة الوقوف بين يديه.
أيها الإخوان! إن أهون الصيام ترك الطعام والشراب، وإن أشده ترك المحرمات، فالتزموا بالصيام على الوجه المطلوب، وافهموا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).
وحينئذٍ فإن على الصائم أن يحفظ جميع جوارحه من الحرام، فيحفظ البصر؛ فلا ينظر إلى ما حرم الله عليه، ويحفظ اللسان؛ فلا ينطق إلا بما أباح الله له، ويسخر هذا اللسان في تلاوة كتاب الله؛ ففي هذا الشأن أنزل ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
أما سلفنا الصالح رحمة الله عليهم فكانوا يتركون كل شيء حينما يدخل رمضان، ويقبلون على تلاوة كتاب الله حفظاً وتفهماً وتدبراً، ويتركون مجالس الفقه والعلم.
أما نحن فإننا نطالب المسلمين اليوم أن يهجروا المحرمات، وإذا كان الإعلام الذي قد انخرط في بلادنا لم يتورع عن الحرام حتى في ليالي رمضان، فإني أحذركم معشر المسلمين! أن تتابعوا هذه البرامج فتفسدوا عباداتكم، وتمسحوا حسناتكم، وإذا لم تدعوا هذه المعصية طول العمر وأنتم مطالبون بذلك، فإنكم مطالبون بأن تتركوها ولو في هذه الأيام الفاضلة التي تضاعف فيها السيئة كما تضاعف فيها الحسنة.
معشر المسلمين! أدوا زكاة أموالكم، وجودوا بالنفقة، واحذروا الإسراف في الأكل والشرب، وأحسنوا إلى الفقراء، فلقد كان من مقاصد رمضان أن يذيقكم طعم الجوع؛ لتعرفوا قدر نعمة الله عليكم طول العمر، ثم تحسنوا إلى الفقراء.
هذا وإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة.
قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن آله وأزواجه، وأصحابه وأتباعه، اللهم ارض عنا معهم، وارزقنا حبهم، واجمعنا بهم في مستقر رحمتك، اللهم لا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وبصفاتك العليا أن تجمع شمل المسلمين على طاعتك، وأن تؤلف بين قلوبهم، وتصلح ذات بينهم، وأن تجعل قيادتهم وأمرهم في عبادك الصالحين.
اللهم أيد المسلمين المجاهدين بنصر منك، اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلينا ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين.
اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم؛ إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المسلمين في أفغانستان على الشيوعية، وأيد المجاهدين في سوريا على حزب البعث، وأيد المسلمين في الأرض كلها على اليهود والنصارى والمتمردين.
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].
عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].
والحمد لله رب العالمين.