أما القسم الثاني: فهو نوع وضع الدنيا في كفه ووضع الحياة الآخرة في قلبه، يسعى إلى الدنيا ليعمرها باعتبارها سبيلاً إلى الحياة الآخرة؛ لأن الحياة الآخرة هي الغاية التي يجب أن يسعى إليها الناس أجمعون، وإذا رفعوا أكف الضراعة إلى الله يسألونه سعادة الدنيا والآخرة فيقولون:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:٢٠١]، ثم يقول الله لهؤلاء:{أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[البقرة:٢٠٢].
حينما نحث الناس على السعي إلى الحياة الآخرة لا يعني ذلك أن تعطل الحياة الدنيا، ولكن يجب أن يعمل المؤمن للدنيا ويسعى إلى الآخرة، فيمشي إلى الدنيا مشياً:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}[الملك:١٥]، ويسعى إلى الآخرة سعياً حثيثاً:{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:١٩].
ومن هنا ندرك أن دين الإسلام وسط بين طرفي نقيض، فإذا كانت الشيوعية الملحدة تقدس البدن والمادة وتلغي الروح، والصوفية تقدس الروح وتلغي البدن، فإن دين الله الخالص يحترم الروح والبدن جميعاً، ويعطي كلاً منهما حقه.