للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصية بالوالدين]

ثم جاءت الوصية الثانية: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الأنعام:١٥١]، فحق الله عز وجل هو الحق الأول، وحق الوالدين يأتي بعد حق الله عز وجل مباشرة، بشرط أن لا يتعارض مع حق الله، فإذا تعارض مع حق الله فإنه مرفوض؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت:٨]، ويقول عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:١٥].

إذاً حق الوالدين حق عظيم، لكنه خاضع لحق الله عز وجل، ولذلك لا يجوز أن يطغى، ولذلك لما أسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أعرضت أمه عن الطعام، وقالت: يا سعد! والله! إن الطعام والشراب حرامان علي حتى تترك دين محمد.

فصار هذا الرجل بين عاطفة الأمومة وبين عقيدة الإيمان التي استنار بها قلبه، فوقف عند أمه ونفسها تتقعقع، واستمرت أمه على إعراضها عن الطعام، ولكن العقل غلب العاطفة، فقال: اسمعي يا أماه: والله لو كانت لك مائة نفس خرجت واحدة بعد الأخرى ما تركت ديني؛ فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي.

فأكلت، فأنزل الله تعالى فيه: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:١٥] إذاً علينا أن نرعى حق الوالدين، ولكن علينا أن نضعه في المرتبة الثانية.