[جزاء الرجال الذين تربوا في المساجد عند الله]
أما الجزاء والنتيجة والثمرة لهذا الخوف فيقول الله: {لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٨]، فالله تعالى كريم لا يضيع عمل عامل منا من ذكر أو أنثى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:٧ - ٨].
ولذلك الله تعالى يقول: (لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) أي: يجازيهم بالحسنات ويتجاوز عن السيئات، والسيئات المراد بها هنا الصغائر، أما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبة، ولكن لو قدم هذا الإنسان على الله عز وجل بملء الأرض خطايا وهو على ملة التوحيد ولا يشرك مع الله عز وجل أحداً كائناً من كان، ولا يكون هناك في قلبه ند لله عز وجل فإنه يقدم على رب رحيم غفور، يقول عز وجل في الحديث القدسي: (يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)، وهذا من فضل الله عز وجل، وهذا دليل على أهمية التوحيد في حياة الناس، فإذا صلح التوحيد صلحت الأعمال بعد ذلك كلها، لكن إذا اختل جانب التوحيد ولو اختلالاً يسيراً فإننا نخاف على المخل حينئذ، فاهتم بالتوحيد أخي الكريم، ولا تصرف نوعاً من العبادة لغير الله كائناً من كان هذا المخلوق، ولو كان أفضل البرية محمداً صلى الله عليه وسلم، ولذلك أقول: إن علينا أن ننزه الله عز وجل تنزيهاً كاملاً، وأنا آسف كثيراً لما نراه من اتجاه طائفة كثيرة من المسلمين إلى أصحاب الأضرحة والقبور، وأصبحت الأضرحة يطاف بها ويتمسح بها وتسأل منها الحاجات من دون الله عز وجل، وتقرب لها القرابين وتنذر لها النذور وتصرف الأموال وتذرف الدموع حولها، ويطوف الناس بها كما يطوفون حول الكعبة، وهذا موجود في جل بلاد الإسلام، ونشكر الله عز وجل، فبلدتنا حماها الله عز وجل بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، نسأل الله أن يجزيه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، حفظها الله عز وجل بسببه، ولذلك فإن أهل العالم المتحضر الآن يسألون أصحاب القبور ويطوفون حول قبورهم كما يطوف المسلمون حول الكعبة المشرفة، ولا يرى ذلك إلا من يسافر خارج هذه البلاد المباركة.
ولكني أقول: هناك وسائل يسيرة وقليلة بدأت الآن تغزو مساجدنا وبيوتنا نريد أن ننزه المسلمين منها، وعلى سبيل المثال: نجد في بعض المساجد مكتوباً (الله، محمد)، ولو قلنا لواحد من الناس الجهال -لا أقصد العقلاء-: لماذا هذا الفعل؟ لقال: أنتم لا تحبون الرسول صلى الله عليه وسلم.
نقول: والله ما دفعنا إلى هذا القول إلا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي دعانا إلى التوحيد، وقضى ثلاثة عشرة سنة وهو يقول للناس (قولوا: لا إله إلا الله)، أما أن نضع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار اسم الله عز وجل سواء بسواء دون أن نرفع أحدهما على الآخر فإن هذا أخشى أن يكون وسيلة في يوم من الأيام إلى البدعة أو الشرك.
وهناك أناس كثيرون يقولون: يا الله.
يا رسول الله.
وأخشى من هذه المعلقات التي تعلق في المسجد وفيها (الله) و (محمد) بجوارها أن يأتي يوم من الأيام يضاف إليها (ياء) كما يصنع أصحاب المذاهب الهدامة الذين يعبدون الرسول صلى الله عليه وسلم، وايم الله لو بعث الرسول صلى الله عليه وسلم فينا اليوم لقطع رءوس هؤلاء قبل أن يقطع رءوس الملاحدة والفسقة والعصاة؛ لأن الشرك أمره خطير، ولإن التوحيد هو مفتاح الجنة، ولا يدخل الجنة إلا موحد, فقد حرم الله على النار من قال: (لا اله إلا الله).
قوله: (لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي: فيعطيهم الله أكثر مما عملوا.
ولذلك يقدم المرء يوم القيامة على الله عز وجل فيجد أعمالاً كالجبال قد سجلت في صحائف أعماله, فيقول: والله -يا رب- ما عملت هذه الأعمال.
فيقول: بلى، كنت تفعل كذا، وكنت تقضي حاجات الناس، وكنت إلى آخره.
فلا تحقر من المعروف شيئاً ولو أن يلقى المسلم أخاه المسلم بوجه طليق, فإن هذه تحسب حسنة له يجدها يوم يقدم على الله عز وجل.
قوله: (لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) هذا هو مثل المؤمنين، وهؤلاء هم الأتقياء الذين تربوا في المساجد.