للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستخلاف في الأرض]

إذا صدقت الأمة جاء الاستخلاف في الأرض، وما معنى الاستخلاف؟ معناه: أن تكون الخلافة بيد الصالحين، وأن تكون قيادة الأمة الإسلامية بأيدي خيارها الذين يحكمون بين الناس بالعدل، والذين لا يحكمون إلا شرع الله سبحانه وتعالى في كل أمورهم صغيرها وكبيرها، والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله ينقادون لشرع الله سبحانه وتعالى في أي حال من الأحوال، وعلى أي أحد من الناس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، فالذين يصدقون مع الله يعطيهم الله عز وجل الاستخلاف في الأرض والسلطة، وحينما يأخذون هذا الاستخلاف لا يعتبرونه منطلق ظلم وطغيان أو تكبر، وإنما يعتبرونه منة من الله عز وجل وعبئاً ثقيلاً تحملوه، ويسألون الله عز وجل العون على تحمل هذه المسئولية، فهي أمانة، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢] يعتبرونها أمانة وعبئاً ثقيلاً.

وأبو بكر رضي الله عنه يعلم هؤلاء القادة وحكام العالم الإسلامي ما مدى مسئولية السلطة فيقول: (ألا إني وليت عليكم ولست خيراً من أحدكم، ولكني أثقلكم حملاً) هذا هو الاستخلاف في الأرض، ليس الخليفة خيراً من واحد من رعيته عند الله عز وجل، وإنما الفضل والميزان بالتقوى، لكنه حمل ثقيل، فـ أبو بكر يقول: (ولكني أثقلكم حملاً) ويقول بعد ذلك: (أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم).

ويوضح ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر يخضع لأمر الله ويقول للمسلمين أمامه: (إذا رأيتم مني اعوجاجاً فقوموني) ولا يغضب حينما قال له رجل: يا أمير المؤمنين -ويشهر سيفه في المسجد-! والله لو رأينا منك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا هذه.

فيقول: (الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بسيفه لو انحرف) هذا هو الرجوع إلى الحق، وهذا هو الاستخلاف في الأرض، يحكم بين الناس بالعدل، ولذلك فمن أول السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم القيامة إمام عادل في نفسه وحكمه، وبين الرعية، وبينه وبين الرعية سواء، ولذلك فالاستخلاف في الأرض هو للصالحين من خلق الله، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥].

وإذا رأيت الاستخلاف في الأرض بيد غير أصحابه الشرعيين فاعلم أن هناك عدم وفاء بشرط من الشروط السابقة، وهذا هو ما يقع في أكثر العالم الإسلامي، أنه وسد الأمر إلى غير أهله كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعنى (وسد) أي: أصبح أمر المسلمين كالوسادة يعتمد عليه الإنسان ويتمتع به كما يعتمد المتوسد على وسادته، حينما يعتمد عليها ويتمتع بها، وبدلاً من أن يكون مسئولية وعبئاً ثقيلاً كما يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (لست بخير من أحدكم، ولكني أثقلكم حملاً) يصبح وسادة لينة رقيقة يعتمد عليها صاحب الأمر، وهذا هو ما يحدث في أكثر بلدان العالم الإسلامي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).

إن الأمر إذا كان بأيدي غير صالحي البشر من خلق الله عز وجل، وكان بأيدي أناس لا يحكمون بشرع الله، ولا يعدلون في الرعية، ولا يخافون في هذه الأمة الله عز وجل يصبح الأمر خطيرا، وحينئذ فقد الاستخلاف في الأرض إذا كان بهذا الشكل في تلك المنطقة التي أصبح الأمر فيها بأيدي غير أصحابه الشرعيين.

فالاستخلاف في الأرض معناه الحكم بحكم الله عز وجل، قال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦]، فإذا تم الاستخلاف في الأرض، وسارت الأمور على طبيعتها، وأصبح أمر المسلمين بأيدي أهله الشرعيين الحاكمين بشرع الله فحينئذ يتمكن الدين، بل ويطالب الذين استخلفهم الله عز وجل في الأرض أن يتخذوا من هذا الاستخلاف منطلقاً للحفاظ على هذا الدين، ولذلك قال تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:٥٥] من الأمم الذين ساروا على شرع الله.