هناك عامل آخر لا يقل أهمية عن هذا، وهو عامل الخوف من المخلوق، بحيث يتراجع الإنسان من منتصف الطريق حينما يخاف من مخلوق من المخلوقين؛ لأن خشية الله صارت أقل من خشية مخلوق من المخلوقين في قلب هذا المسلم؛ لأن الإيمان ضعف في قلبه، وهذا أيضاً عامل من عوامل الانحراف، ولكم كنا نعلق آمالاً بعد الله عز وجل على كثير من المصلحين حتى رجعوا من منتصف الطريق لما رأوا الأمر بواقع يخافون منه، ولذلك أخبر الله تعالى بأن هؤلاء ليسوا بمؤمنين حقاً، فإن الذي يرجع إذا خاف من المخلوق بحيث يقدم خشية المخلوق على خشية الخالق ضعيف الإيمان أو فاقد الإيمان، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ}[العنكبوت:١٠] يترقبون المؤمنين، فإذا وجدوا المؤمنين يعيشون في عزة وفي قوة كانوا معهم، وإذا وجدوا الإسلام يضرب في مكان من الأرض انحرفوا حيث يخافون من هذه الضربة أو من هذا العدو أو من هذا المخلوق، ويفرون من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة، وهذه هي المصيبة، ولذلك يقول الله تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت:٢] ثم أقسم الله تعالى فقال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت:٣].
فهذا عامل من عوامل الانحراف التي أصيب بها كثير من الناس، ولربما أصيب طائفة من الدعاة والمصلحين بسبب خوف المخلوق وتقديمه على خوف الخالق سبحانه وتعالى.