للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رمضان والجهاد في سبيل الله]

أما شهر رمضان فإنه شهر خير، وله على هذه الأمة أيادي بيضاء، لعل من أهمها ما كتبه الله عز وجل من النصر المؤزر لهذه الأمة في أيامه المضيئة ولياليه الساهرة على عبادة الله عز وجل، إنك لتعجب حينما تقلب صفحات تاريخ أمتنا التي أخذت بهذا الدين، وعضت عليه بالنواجذ، وأنت ترى في شهر رمضان مثل غزوة بدر الكبرى، التي تعتبر غرة في تاريخ الأمة الإسلامية، علماً أنها أول غزوة في تاريخ هذه الأمة يلتقي فيها عدد قليل من المسلمين عزل من السلاح مع عدد كبير مدجج بأرقى أنواع أسلحة ذلك العصر، ثم تكون النتيجة النصر للأمة الإسلامية والهزيمة للكافرين: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:١٣].

تلكم المعركة التي سماها الله عز وجل الفرقان؛ لأنها فرقت بين الحق والباطل، وكانت في ليلة السابع عشر من شهر رمضان، والتي نزلت فيها الملائكة تقاتل مع المسلمين قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال:١٢ - ١٣]، يقول أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف لنا مجريات المعركة: (والله إننا لنرى الرأس يطير من مكانه، ونرى اليد تطير ولا نرى من يقطعها)؛ لأن الله تعالى يقول: (فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).

وفي ليلة العشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة فتح المسلمون بقيادة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وغيرّ ذلكم الفتح مجرى تاريخ الحياة كلها حتى تحولت مكة من أرض للوثنية يعبد فيها غير الله عز وجل في ستين وثلاثمائة صنم إلى أرض يعبد فيها الله، وصار الناس بعد ذلك يدخلون في دين الله أفواجاً.

وفي رمضان فتح المسلمون بلاد الأندلس ودخلوها، وفي شهر رمضان وقعت موقعة عين جالوت التي انتصر فيها المسلمون بقيادة قطز على التتر، وكان المثل السائد وقتئذ: إن التتر لا يغلبون.

وهكذا يجب أن يفهم المسلمون كافة أن شهر رمضان ليس موسم نوم وموائد خاصة، ولكنه موسم عبادة وجهاد في سبيل الله تعالى، حينما يدرك المسلمون هذه الدروس، وهم يضمدون الجراح التي تتكرر في كل يوم، بل في كل لحظة على الأمة الإسلامية، حينئذ ينهضون من جديد ليكون الدين كله لله: {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٣].