ويزيد الأمر خطورة، ويأبى أعداء الإسلام إلا أن يوجد الاختلاط في أكثر بيوت المسلمين، ثم تنفتح مادة على قوم كانوا يعيشون في فقر ومسغبة، ويفجِّر الله عز وجل لهم ثروة من وراء آلاف الأقدام، فيتحول الفقير إلى غني، فيأبى إلا أن يكفر نعمة الله عز وجل، فهذه فتاة خادمة يؤتى بها من أقصى البلاد في جمالها وفي عنفوان شبابها لتعيش مع أبناء هذا الرجل أو معه، وليخلو بها، ولتسافر معه، وكأنها زوجة من زوجاته! ثم يأتي الآخر بقائد للسيارة ليسلم له أغلى وأشرف ما يملك في هذه الحياة من شرفه وكرامته، فيغدو بالبنات وبالزوجة إلى هنا وهناك، وعلى ساحل البحر، وفي أي مكان من الأرض، ويخلو بإحداهن وتخلو به في البيت وخارج البيت! ويأتي ذاك بمربية لتربي أولاده على خلاف الفطرة، وكثيراً ما تكون مشركة أو كافرة، وهب أنها مسلمة، فإن تقاليدها وأخلاقها تختلف كثيراً عن الأوضاع التي يجب أن يعيشها المسلمون في مثل بلادنا، وكل ذلك يحدث في غمرة الثراء وفي غمرة النعمة وفي غمرة الرخاء الذي اُبتلي به القوم، وصدق الله عز وجل حيث أخبرنا بأنه يبتلي هذا الإنسان بالفقر والمسغبة، حتى إذا لم يُجْدِ فيه ذلك شيئاً يفتح له أبواب النعيم، حتى إذا لم يرع ويرجع إلى الله عز وجل فإن عقوبة الله أقرب إليه من شراك نعله، فلننتبه لهذا؛ فإني أخشى أن تنطبق هذه الآيات على مثل مجتمعنا في مثل هذا البلد الذي كان بالأمس يعيش في فقر وفي خوف وذعر، وهو اليوم تنفتح عليه خزائن الحياة الدنيا من كل جانب، يقول الله عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف:٩٤]، فقر ومصائب، حتى إذا لم تجد هذه فيهم شيئاً كانت العاقبة:{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}[الأعراف:٩٥]، فبدل الفقر أصبحت عندهم مليارات وملايين وأرقام في بنوك يعجز الناس عن إحصائها، وأمم تموت حولنا في أفريقيا جوعاً، ولكن يأبى كثير من الناس إلا أن تبقى هذه الأرقام يحاسبون عليها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة بعدما تفسدهم في هذه الحياة الدنيا إلا ما شاء ربك، قال تعالى:{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا}[الأعراف:٩٥]، فقد زاد المال، وزاد العدد، وزاد الرخاء، وإذا قيل لأحدهم: اتق الله؛ فهذه نعمة لها ضد يقول: ضدها قد انتهى.
والله عز وجل يحدثنا عن ذلك قبل أن يقوله الناس:{حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ}[الأعراف:٩٥]، ما هي النتيجة؟ {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[الأعراف:٩٥].
وهكذا الله عز وجل يمتحن الناس بالمصائب والآفات والفقر والمسغبة، وإذا لم ينفع ذلك فيهم فإن لله خزائن السماوات والأرض، والدنيا لا تساوي عند الله عز وجل جناح بعوضة، فيفتح لهم أبواب الخيرات وأبواب النعيم ابتلاء من الله عز وجل، فإذا لم ينفع الثاني بعدما لم ينفع الأول فإن الله عز وجل يقول:{فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}[الأعراف:٩٥].
وكل هذه الأمور علينا أن ننتبه لها، وإذا كان منا من اُبتلي بشيء من ذلك فعليه أن يتقي الله عز وجل، وعليه أن يحذر سخط الله، وأن لا يستعمل نعمة الله عز وجل في معصيته، فيا أخي! بأي وسيلة تحل لك فتاة تأتي بها من الهند أو من مصر أو من جنوب شرق آسيا، أو من أي مكان من الأرض ليست منك ولست منها، وليس معها محرم؟! أيها الأخ الكريم! إن الله عز وجل يحذرنا من الفواحش فيقول:{وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام:١٥١]، ولذلك الله تعالى هدد هؤلاء القوم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوعدهم بالنار، وكان أحدهم يقتل بنته خشية العار، علماً أن الدوافع مطلوبة ونبيلة؛ لأنه فعل ذلك محافظة على عرضه، لكن في ذلك مبالغة في هذا الأمر، وهذا هو شأن الجاهلية الثانية؛ حيث إنها جاءت ترد فعل الجاهلية الأولى، حيث تفسخت فيها المرأة، أما الجاهلية الأولى فإن أحدهم كان يكره المرأة، فإذا ولدت له فتاة إما أن يدسها في التراب، وإما أن يمسكها على هون خشية أن تصيبه بعار في يوم ما، ولذلك الله عز وجل قال:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام:١٥١]، والمراد بالنفس التي حرم الله تعالى النفس المعصومة التي لا يحل قتلها، والمراد بالحق ما أباح الشرع، وما أمرنا به من إقامة القصاص، ومن إقامة الحدود، ومن قتل القاتل، فهذه سنة الله تعالى التي تضبط الحياة والتي تحفظ للحياة توازنها واستقامتها.