[نصر الله تعالى للمؤمنين وتمكينه لهم بعد تلك الغربة]
لقد اجتاز سلفنا الصالح تلك الغربة، وقدموا كل ما يملكون من نفس ونفيس، لقد قدموا الأرواح لله عز وجل، فدخلوا المعركة وهم يحملون أرواحهم على أكفهم، ابتغاء مرضات الله عز وجل، وطلباً للشهادة والجنة، لقد صدقوا الله عز وجل ما عاهدوه عليه، ولم ينكثوا ولم ينقضوا ذلك العهد، فأعطاهم الله عز وجل سعادة الدنيا والآخرة، وكان جهالهم يقولون في يوم من الأيام:{إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}[القصص:٥٧]، والله عز وجل جعلهم يتخطفون من أرضهم؛ ليكونوا قادة العالم وسادة الحياة الدنيا، بعد أن قدموا عشرات الآلاف من القتلى والشهداء في سبيل الله عز وجل، فهذه بلدة واحدة -وهي بلاد الشام- لم يستطع المسلمون أن ينشروا الإسلام فيها إلا بعد أن قدموا خمسة وعشرين ألف شهيد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الثمن وإن كان كثيراً لكنه ثمن قليل بالنسبة لعزة الإسلام وقيام دولة الإسلام، ولذلك فقد كانت النتيجة مشرفة، وكان الأمر واضحاً، وكانت العزة -كما وعد الله عز وجل- لله ولرسوله وللمؤمنين.
لقد شعر المسلمون بالعزة، ولقد تفيئوا ظلال هذه العزة وهم في عنفوان حياتهم، بعد أن أصبحت دولة الإسلام ترفرف أعلامها على عالم عظيم من أرجاء هذا الأرض، فامتدت دولة الإسلام من بلاد الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، إلى ما يقرب من باريس اليوم شمالاً، إلى أكثر هذا العالم جنوباً؛ لأن المسلمين صدقوا بوعدهم لله عز وجل فصدقهم الله عز وجل وعده، الذي سطره في سورة النور في قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ}[النور:٥٥]، وكأن هذه إشارة إلى الغربة الجديدة، {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٥٥].