للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرمة إرث النساء في الإسلام]

بعد ذلك لما ذكر الله تعالى التوبة، وحث عليها، وذكر موعدها الذي تقبل فيه والذي لا تقبل فيه، عادت الآيات مرة أخرى تبين أشياء من حدود الله عز وجل، فقال سبحانه وتعالى عن هذه الحدود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء:١٩].

يدعي أقوام في عالمنا اليوم أنهم أنصار المرأة، وأنهم يدافعون عن حقوق المرأة، ويتهمون دين الله عز وجل الحق بأنه هضم المرأة حقها، أو نقصها شيئاً من حقها، وهنا يذكر الله تعالى شيئاً من حقوق المرأة كان مهضوماً في كل الجاهليات، وحتى في جاهلية اليوم المعاصرة هو مهضوم هضمت هذه المرأة فأصبحت لا شيء في نظر تلك الجاهليات.

وفي الجاهلية الأولى كانت المرأة إذا مات زوجها يتسابق أولاده من غيرها، فأيهم سبق الآخر ووضع عليها رداءً كان أحق بها؛ إن شاء ملكها، وإن شاء تزوجها، وإن شاء زوجها، وهي زوجة أبيه، وهذا لا شك أنه محرم من عدة جوانب: الجانب الأول: أنه إهانة للمرأة.

الجانب الثاني: أن فيه نكاحاً لزوجة الأب، والله تعالى حرم من المحرمات -التي سوف نتعرض لها إن شاء الله تعالى- زوجة الأب كما حرم الأم، ووضعها مع الأم في آية واحدة.

إذاً: هذه العادة من عادات الجاهلية وهي أن يتسابق أولاد الميت من غيرها إليها، فأيهم وضع عليها الرداء كان أحق بها، وإن استطاعت أن تهرب قبل أن يضع أحد منهم الرداء كانت حرة، فأنزل الله عز وجل تحرير هذه المرأة، فلا يحق لأحد أن يتسلط عليها، أو أن يضع عليها الرداء، أو يتملكها، أو يكون أحق بها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء:١٩]، أي: مكرهين لهن، وليس معنى ذلك: أنه بواسطة غير الإكراه له أن يرثها، لكن ذلك حكاية واقع؛ لأنهم يعملون ذلك كرهاً.

(لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ) أي: تتملكونهن، وهذه الآية تعرضت لتحرير المرأة من أن تورث هي، وقد مرت بنا آية تعرضت لحق المرأة في الميراث في قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:٧]، وعرفنا أن سبب نزول تلك الآية: أنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون المرأة، وإنما يورثون الرجل فقط، إضافة إلى أنهم يرثون المرأة كما يورث سائر المتاع، فالله عز وجل حرم أن تورث المرأة من زوجها؛ فإنما هي إنسان حر كالرجل، وحرم أن تمنع من ميراث زوجها أو أحد أقاربها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:٧]، إذاً: هي لا تورث بل ترث كما يرث الرجال، ولها في كل صغير وكبير مما خلفه الميت حق، حتى لو كانت الإبرة أو ما كان أقل من ذلك.