كما أن للاستقامة أسباباً فإن للانحراف أسباباً أيضاً.
فأهم أسباب الانحراف هو الجليس الفاسق أو الكافر، وكما عرفنا في أسباب الاستقامة الجليس الصالح بأنه مثل حامل المسك فإن الجليس الفاسق هو الذي شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بنافخ الكير، ونافخ الكير لابد من أن ينالك منه أذى لو جلست عنده، (فإما أن يحرق ثيابك) بما يقدم لك من المعاصي، (وإما أن تجد منه رائحة خبيثة)، إذا لم يصل إلى درجة إحراق ثيابك.
ولذلك نقول: إن هؤلاء الذين ضلوا الطريق على أيدي هؤلاء الفسقة حينما أساءوا اختيار الجلساء هؤلاء لا يلومون إلا أنفسهم، كما أننا نوجه كلمة إلى هؤلاء الآباء الذين استرعاهم الله عز وجل على هذه الذرية التي ربما أن كثيراً منها لم يُميز بعد بين الحق والباطل، نلوم هؤلاء الآباء حينما لا ينظرون فيمن يجالس أبناءهم، وحينما لا يعرفون من يخالط هؤلاء الأبناء.
فاحذر -أيها المسلم- من جلساء السوء، فإنهم ينتشرون في بلاد المسلمين كما يجري الشيطان من بني آدم مجرى الدم، بل إنهم هم شياطين الإنس الذين يقول الله عز وجل عنهم:{شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام:١١٢]، ولعل أكبر سبب من أسباب مقارنة هذا الشيطان الفاسق لهذا الرجل الصالح ليحرفه عن الطريق هو أن ذلك الصالح عشا عن ذكر الرحمن، كما قال الله تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}[الزخرف:٣٦ - ٣٨].
ولذلك ابتلي كثير ممن تولى أمر المسلمين بجلساء سوء وببطانة سوء بسبب إعراض أولئك عن دين الله عز وجل، والله تعالى يقول:((وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا)) [الزخرف:٣٦] فهذا الشيطان لا يفارقه حتى يدخله النار، ثم إذا أدخله النار بدأ ذلك المقارن يتمنى أن لو لم يغتر بهذا الجليس الفاسق.