[حال السلف رحمهم الله في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة]
قال تعالى:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ}[النور:٣٧]، رأى بعضُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سلفَنا الصالح والمنادي يقول: حي على الصلاة! حي على الفلاح! وكان الباعة في الأسواق قد رفع أحدهم الميزان بيده يزن البضاعة، فلما سمع: الله أكبر، رمى بالميزان على الأرض، وأغلق دكانه وهرع إلى المسجد، فقال:(في هؤلاء نزل قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}[النور:٣٧])، هؤلاء هم الرجال الذين يستحقون كلمة رجال، فلهم تجارة، ولهم بيع وشراء، ولهم متاجر، ولهم معارض، وعندهم أموال، ويستطيعون أن يشغلوها أربعاً وعشرين ساعة، لكن وقت العبادة لا يمكن أن يستعمل للبحث عن المال في الحياة الدنيا، وهكذا يكون الرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع.
ولا تظنوا أيها الإخوة! أنهم رجال عاطلون؛ فإن الإسلام لا يعترف بالعاطل، وإنما يريد من هذا الإنسان أن تكون له مهنة، وأن تكون له وظيفة، وأن تكون له تجارة، وأن يعمر هذه الحياة، وأن يبحث عن المال الحلال من أجل أن يستفيد من هذا المال الحلال فيما يرضي الله عز وجل، ويستغني به عما حرم الله.
إذاً: هذه التجارة موجودة، لكن التجارة في اليد ليست في القلب، أما القلب فإنه مليء بالتجارة التي لا تبور: البحث عن الجنة، وعن السعادة الخالدة، وعما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله تعالى:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}[النور:٣٧]، أي: لهم تجارة، ولهم بيع، ولكن هذا البيع وهذه التجارة لا تلهيهم عن ذكر الله.
وأما ما الفرق بين البيع وبين التجارة؟ فيقولون: البيع هو الأخذ والعطاء مع سائر الناس، وأما التجارة فمعناها: استيراد.
إذاً: هؤلاء مهما كانت مشاغلهم لا يمكن أن تصرفهم عن الله عز وجل وعن دينه، فلهم تجارة، ولهم دكاكين، ولهم محلات، وعندهم أسواق، وعندهم أموال مغرية وأرباح، لكن يعتبرون وقت الصلاة للصلاة، فأحدهم يجلس في دكانه يبيع ويشتري، فإذا سمع المنادي: حي على الصلاة حي على الفلاح يقفل دكانه، ولا داعي أن تقول له الحسبة أو الهيئة: أقفل دكانك؛ لأنه يسير بأمر الله سبحانه وتعالى.