معشر المسلمين! إن سنة الله في هذه الحياة أن يذيق هذا الإنسان رحمته، والمراد بالرحمة هنا: نعمة المال ولذته، حتى إذا عض على هذه النعمة بالنواجذ نزعها الله من الكافر والباغي نزعاً، حتى إذا أبدله النعمة إثماً وأبدله المال فقراً، وأبدله الصحة مرضاً والأمن خوفاً؛ نسي ما كان بالأمس، وظن أن نعمة الله لن تعود إليه أبداً منذ تلك اللحظة التي يفارقها.
يقول الله عز وجل عن هذا الأمر:{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ}[هود:٩]، (نزعناها) أي: أخذناها بقوة وبشدة وبسرعة إذا لم يكن أهلاً لهذه النعمة: {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[هود:٩ - ١١].
معشر المسلمين! إن سنة الله في الحياة أن يرد الناس إليه طوعاً أو كرهاً، وحينما ينحرف الناس عن دين الله، وحينما يتنكبون عن طريقه المستقيم، يبتليهم في بادئ الأمر بالفقر والمسغبة والخوف والجوع والأمراض والأسقام، فإما أن يتراجعوا ويعودوا إلى الله عز وجل، وإما يتمادوا في غيهم، فإن الله يمتحنهم في المرحلة الثانية بالنعيم، يمتحنهم بالنعم والأمن والأرزاق تأتيهم رغداً، ثم بعد ذلك إذا لم يعرفوا قدر نعمة الله عليهم أخذهم سبحانه وتعالى أخذ عزيز مقتدر.