للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خراب الكون واختلال نظامه]

الموقف الأخير الذين نختم به هذا الحديث: موقف يصور لنا هذا العالم بنجومه وكواكبه وأفلاكه ونظامه ودقته وقد خرب هذا النظام كله لماذا؟ لأن هذا النظام متاع للحياة الدنيا، وحينما ينتقل الناس من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة يفسد هذا النظام كله ويتساقط.

يعبر الله عز وجل عن هذا الموقف بقوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:١ - ٤]، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة أخرى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:١ - ٤]، إلى آخر الآيات.

هذا الأكوان أيها الإخوان! خلقت لمدة محددة، وحينما ينتهي وقتها فإن النجوم تتساقط على الأرض، ثم لنتصور هذه البحار وقد أشعلت وأصبحت ناراً تتلهب، ثم تصوروا هذه الأرض وقد مدت وأصبحت واسعة تتسع لهؤلاء الخلائق، منذ أن خلق الله هذا الكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تصوروا هذه الأنظمة وقد تعطلت وتبدلت وتغيرت.

ثم عليك يا أخي! أن ترجع لأمر واحد مهم، وهو أن تعتبر هذه الأشياء سبيلاً إلى الحياة السعيدة، وإلى تلكم السعادة.

إخواني في الله! ربما يستعمل طائفة من الناس شيئاً من المقاييس المادية، وحينئذٍ تكون هذه المقاييس سبباً في ضلالهم وشقائهم، وحينئذٍ ينكرون الحياة الآخرة، فيخسرون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين، أما الحقيقة التي يجب أن نؤمن بها، فإن هذا وعد الله عز وجل الذي لا يتغير.

هذا أولاً.

ثانياً: أن الحكمة تقتضي بأن تكون هناك حياة آخرة، وأن تكون هناك حياة برزخ، وأن تكون هناك جنة ونار، المنطق والعقل والحكمة كلها تقضي بذلك، وإلا فلا فائدة في هذا الوجود، والله عز وجل منزه عن العبث، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥]، فالدنيا وما فيها من أنظمة، وما فيها من أدلة، كلها تدل على أن هذا الإنسان لم يخلق عبثاً، ولم يترك سدى.

وعلى ذلك فإنه لا يتصور وجود عاقل يبني قصراً ثم يدعه للجرذان تعبث فيه، وإنما لابد أن يصون هذا القصر، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذه الحياة الدنيا، وإنما خلقها لتكون وسيلة وجسراًَ وممراً للحياة الآخرة، فنملأ قلوبنا يا معشر الشباب! بالإيمان بتلك الحياة الآخرة، ولنتصور أنفسنا ونحن واقفون بين يدي الله عز وجل للحساب وهو يناقشنا ويحاسبنا، ونتصور حقيقة أن هذا الكون كله إنما خلق من أجلنا، وأننا خلقنا من أجل أمر عظيم ومهم، لذلك لا نغفل عن الحياة الآخرة، وما ضل ضال عن الطريق، ولا انحرف منحرف، ولا أخطأ مخطئ إلا لغفلته عن هذه الحياة الآخرة، وبمقدار ما يغفل الناس عن هذه الحياة الآخرة تكون المصائب التي لا تساويها مصائب، وبمقدار ما يؤمن الناس بهذه الحياة الآخرة، تعود المياه إلى مجاريها، ويكون الإنسان إنساناً طبيعياً محترماً ملتزماً متزناً.

وإذا أردت دليلاً على ذلك: فانظر إلى هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة، وانظر إلى أعمالهم، الوحوش والله لا تستطيع أن تفعل مثل أفعالهم، لو نظرنا إلى ما يفعله الروس الشيوعيون الملاحدة في بلاد أفغانستان؛ لعرفنا أن الإيمان بالحياة الآخرة أمر ضروري لو لم يكن لوجب أن يكون، أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة والله لا تستطيع الوحوش الكاسرة أن تفعل مثل أفعالهم، لم يستطيعوا أن يبيدوا هذا الإنسان بالآلاف وبالمئات وبالملايين إلا لغفلتهم عن الإيمان بالحياة الآخرة وإنكارهم لها، ثم انظر يا أخي! إلى هؤلاء الذين قلدوا الملاحدة في إلحادهم؛ فأنكروا الخالق سبحانه وتعالى، وأنكروا نواميس كل هذه الحياة؛ انظروا إليهم ماذا يفعلون بالمؤمنين، ثم انظر أخرى إلى هؤلاء الطغاة المتجبرين الذين فقدوا هذا الإيمان.

ومن هنا ندرك أن الإيمان لذة ومتعة، وأن الإنسان لا يمكن أن يكون إنساناً حتى يؤمن بالحياة الآخرة، لكنه حينما يغفل أو ينكر الحياة الآخرة، فإنه شر خلق الله؛ فهو شر من الحشرات والوحوش، ولذلك يقول الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:٥٥]، {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:١٧٩]، ولذلك لا نستغرب هذه الأفاعيل التي تحدث من ظلم الناس اليوم على أيدي أولئك الكفرة الملاحدة؛ لأنهم بمقدار ما يغفلون ويبتعدون عن الإيمان بالحياة الآخرة تعود إليهم شيطانيتهم، وتعود إليهم وحشيتهم وأفعالهم التي ينكرها العقل والضمير.

أسأل الله تعالى أن يثبت أقدامنا، وأن يحفظ إيماننا حتى نلقى الله عز وجل مؤمنين، كما أسأله سبحانه أن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.