ولذلك نجد في قصص كثيرة كيف يهتم رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده بهذا العدل، ولو أدى ذلك إلى أمور ليست لمصلحة الإسلام، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحكم على نفسه بالعدل، ما كان يرى لنفسه أمراً يختص به، حتى قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
(أيم الله) يعني: والله، متى كان هذا الكلام؟ حينما سرقت امرأة من بني مخزوم، من أشراف أهل مكة، فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقطع يدها، فجاء خيار أهل مكة إلى أسامة ين زيد حب الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: قدموه ليكون شفيعاً، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(أتشفع في حد من حدود الله)، لماذا؟ لأن الحد إذا ما أقيم على الناس كافة لا تستقيم هذه الحياة، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقيمه على نفسه، ذات يوم في غزوة بدر كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسوي الصفوف، فـ سواد بن غزية كان متقدماً قليلاً على الصف، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومسح بطنه بشيء من القوة ليرجع، قال: أوجعتني يا رسول الله! أتظنون الرسول صلى الله عليه وسلم قال: هذا سبني أدخلوه السجن؟ لا، كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطن نفسه وقال: خذ يا أعرابي حقك، وذلك أمام الناس في الحال، ما قال: خذوه هذا يسب الزعيم، فقام سواد بن غزية رضي الله عنه وقبل بطن رسول الله، قالوا له: لماذا فعلت ذلك؟ قال: والله لقد علمت أنها ساعة ربما تكون هي الأخيرة في حياتي، وأريد أن تكون آخر حياتي مباشرة جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انظروا يا إخوان إلى الإيمان! يعرف أنه قادم إلى الجنة فيقول: أريد أن ألصق شفتي بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ألقى الله عز وجل.
أما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول على المنبر:(إن رأيتم مني اعوجاجاً فقوموني) هل تظنون أن الناس سيقولون: لا، أنت أعدل الناس، ما فيك اعوجاج؟! بل قام أعرابي بدوي فشهر سيفه وقال:(يا عمر! والله لو رأينا منك اعوجاجاً لعدلناه بسيوفنا هذه).