هكذا أيها الإخوان! يجب أن نتصور مثل هذه المواقف، ولذلك فإن الله عز وجل برحمته بهذا الإنسان وضع مراحل له في طريقه إلى الله عز وجل، ووضع أموراً يجب أن تستوقف المرء المسلم العاقل؛ لينظر في مسيرته، هذه المعالم نجدها تتكرر ونجدها تتعدد.
ومن أبرزها ومن أهمها: مرور الأيام والسنين، ومن أهمها أيضاً: بلوغ أربعين سنة، ولذلك يقول الله عز وجل عن هذه المرحلة:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ}[الأحقاف:١٥ - ١٦].
ومن هذه المعالم أيضاً: بلوغ الستين، ولعلها تكون نهاية المعالم وآخر الإنذارات التي يجب أن ينتبه لها المسلم، فلا يضيع الفرصة بعد ذلك، ولذلك ورد في الحديث الصحيح المتفق على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أعذر الله إلى رجل أخر أجله حتى بلغ الستين)، ومعنى (أعذر) أي: لم يترك له عذراً بعد ذلك، فإذا أراد أن يستعتب ويعتذر إذا نزل به الموت فإن الاستعتاب والاعتذار لا يقبل بعد ذلك؛ لأنها آخر مرحلة من مراحل الاستعتاب والاعتذار.
ثم هذا الشيب وتغير لون الشعر أيضاً معلم من هذه المعالم، وإنذار من تلك الإنذارات التي تعترض مسيرة المرء المسلم في حياته، ولذلك يقول الله تعالى للناس الذين فرطوا في العمر:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}[فاطر:٣٧]، قال طائفة من العلماء: إن المراد بالنذير هنا هو الشيب وابيضاض الشعر.
أيها الإخوة المؤمنون! هذه الإنذارات لا تمر بالرجل العاقل إلا وتستوقفه ويستوقفها، ولا تمر بالرجل الجاهل إلا مر الكرام، فلا يدري ماذا مضى وماذا بقي؛ لأنه في غمرته غافل؛ كما قال عز وجل:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}[الأنبياء:١ - ٣]، فلهو القلوب هو الذي أضل كثيراً من الناس؛ فإن كانت القلوب متعلقة بالله فإنه يرجى لهذه القلوب خير؛ لكن إذا لها القلب فإن المصيبة لا تساويها مصيبة.