[هداية القرآن والآثار المترتبة على تحكيمه]
لأي شيء نزل القرآن؟ العلمانيون عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة يقولون: نزل القرآن للعبادة فقط، فهو عندهم منهج عبادة وليس منهج حياة، لا يتدخل في أنظمة الحكم أو السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق أو الأنظمة الاجتماعية، بل يقتصر على المسجد فحسب ولا يتعدى المسجد، لكن الله عز وجل يقول عنه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} [البقرة:١٨٥].
ومن هنا ندرك أيها الأخ الكريم! أن هذا القرآن ليس منهج عبادة فحسب؛ لكنه منهج حياة متكاملة كما قال عنه سبحانه وتعالى الذي أنزله: (هدى للناس).
وهدى: نكرة، أي: هدى للناس في كل أمر من الأمور، هدى للناس في منهج حياتهم الفردية الخاصة، ومنهج حياتهم الأسرية، ومنهج حياتهم الاجتماعية والعالمية، هدى للناس في نظام الحكم والسياسة، وأي سياسة وأي حكم لا يستمد من كتاب الله عز وجل فهو حكم كافر مارق عن الدين، لا يصلح أن يقود الحياة؛ ودليلنا على ذلك واقع العالم الذي انحرف عن منهج الله عز وجل في أيامنا الحاضرة، فإننا نرى أمماً تسير إلى الهاوية من جانب، كما أنها تقود نفسها إلى الدمار والبوار من جوانب كثيرة، تتعقد الحياة وتلتبس عليهم السبل؛ لأنهم يفقدون القيادة الحكيمة الرشيدة التي تستمد من كتاب الله عز وجل، وهذا شيء مشاهد في تاريخ البشرية في القديم والحديث.
بل إن الله عز وجل أخبرنا بأن هذا العالم سوف يبقى في شقاق ونزاع؛ حتى يحكم نفسه بشرع الله عز وجل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يكون الأمن والطمأنينة، وتكون الحياة الرخية السعيدة الآمنة المطمئنة، يقول سبحانه وتعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة:١٣٧]، هكذا الأمم تهتدي وهكذا تنحرف عن منهج الهداية فتكون في شقاق.
بل إن الله سبحانه وتعالى يكفل سعادتين اثنتين لمن انقاد لكتاب الله عز وجل وسار على منهجه، وشقاوتين لمن انحرف عن هذا المنهج القويم، يقول سبحانه وتعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٣ - ١٢٤]، والمعيشة الضنك التي يعيشها العالم بصفة عامة، ولربما يعيشها العالم الإسلامي بصفة خاصة، إنما هي جزاء بمقدار انحراف الأمة عن هذا المنهج القويم، فقر ومسغبة وجهل وتنصير يسابق الشمس على مطالعها في بلاد المسلمين، وأمور عظام وسفك للدماء وانتهاك للأعراض وسلب للأموال والحريات في أكثر العالم الإسلامي، وهذا كله بسبب إعراضه عن كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، معيشة ضنك هذه عقوبة الدنيا، أما العقوبة في الآخرة فهي أن يحشره يوم القيامة أعمى.
إذاً: الأمة الإسلامية مطالبة بمجموعها وأفرادها، بحكامها وشعوبها، أن تحكم هذا العالم بشرع الله عز وجل.
القادة مطالبون بذلك والشعوب أيضاً مطالبون؛ لأن تحاكم الشعوب إلى غير شرع الله يعتبر أيضاً كفراً وردة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠].
إذاً: يا أخي الكريم! ما يحصل اليوم من الأخبار المؤلمة التي يدمى لها قلب المؤمن، إنما هي بسبب إعراض هذا العالم عن منهج الله وعن دين الله عز وجل، ولن تعود للأمة الإسلامية هيبتها وعزتها وكرامتها إلا بمقدار ما تعود إلى الله عز وجل، وتحكم دينه وشرعه في كل صغيرة وكبيرة.
أما هؤلاء الحكام الذين نرى أكثرهم يفكر أن يخدر هذه الشعوب، إما باللهو والترف أو بالمعصية، ثم بعد ذلك يظنون أن الشعوب قد نامت على هذا المتاع، صحيح قد تنام مدة من الزمن، لكنها لا بد أن تستيقظ وإذا استيقظت فإن عظمة هذا الدين هي التي تحرك الهمم وتقود هذه الشعوب إلى طريق أفضل، وحينئذ تكون الأمور كما تسمعون عنها أمم خدرت مدة طويلة من الزمن، لكن الفطرة ما زالت موجودة فيها والخير مركوز في سويداء قلوبها، فإذا بها تستيقظ هذه اليقظة التي تسمعون أخبارها في الجزائر أو في مصر أو في تونس أو في أي مكان من الأرض، بالرغم من التمهيد الطويل في ضياع هذه الشعوب، لكنها لا بد أن تستيقظ؛ لأن دين الله عز وجل فطرة فطر الله عز وجل الناس عليها.
إذاً: ليس هناك طريق تستطيع أي قيادة أن تقود الشعوب من خلاله إلا بحكم الله عز وجل، وإلا بمنهجه القويم الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، ومن هنا نقول: إن السياسة جزء من هذا الدين، وإن الحكم يجب أن يكون لله عز وجل، وإن الشعوب لا تخضع ولا تقاد إلا بشرع الله عز وجل، ومن فكر في غير ذلك فعليه أن يصحح مساره.
أما حكم العالم الإسلامي بغير شرع الله فهو الكفر والردة والظلم والفسق والخروج عن الطاعة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:٤٥]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧]، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور:٤٨ - ٥٠]، ومن هنا ندرك جانباً من معاني قول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} [البقرة:١٨٥].
إذاً: القرآن مصدر هداية تنطلق منه سياسة الأمم المسلمة وسياسة القيادات المسلمة، وأي قيادة لا تنطلق من شرع الله عز وجل فإنها فاشلة، لا يمكن أن يكون لها البقاء، لاسيما حينما تستيقظ الشعوب، ونحن اليوم في عصر الصحوة الإسلامية التي ظهرت بوادرها في أيامنا الحاضرة.