أما الاستقامة فجزاؤها عند الله عز وجل عظيم في الدنيا، وهو حياة سعيدة يشعر فيها المؤمن بالراحة والطمأنينة، ومتعة البقاء والخلود في الحياة الآخرة، فهذه الحياة وهذه اللذة لا يدركها إلا المؤمنون كما قال ابن القيم رحمة الله عليه: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.
ويقصد بجنة الدنيا لذة الإيمان التي يقول الله عز وجل عنها:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل:٩٧].
ولا تظنوا أيها الإخوة أن الحياة الطيبة هي حياة القصور، وحياة الترف، وحياة النعيم، قد يشترك فيها المسلم والكافر بل ربما يشترك في هذا المتاع الظاهر الإنسان والبهيمة، إنما هي لذة الإيمان التي يقول عنها إبراهيم بن أدهم رحمة الله عليه: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الإيمان لجالدونا عليها بالسيوف.
ويقول عنها الفضيل بن عياض رحمة الله عليه: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً هذه العزة وهذه اللذة وهذه المتعة لا يشعر بها إلا أولياء الله، ويفقدها أعداء الله، ويضيقون ذرعاً بكل حدث من أحداث الحياة الدنيا، ويتخلصون من هذه الدنيا بالانتحار، ولذلك يوجد مواقع في بلاد الغرب مخصصة للانتحار، وفي اليوم الواحد ينتحر عدد من الناس، لماذا؟ لأن لذة الإيمان غير موجودة، وجد متاع ولم يوجد إيمان، والمتاع بطبيعته إذا ألفه الإنسان يصبح شيئاً طبيعياً، وما السعادة في الدنيا سوى شبح يرجى، فإن صار جسماً مله البشر.
القاعدة أن لذة الإيمان تتجدد في كل يوم؛ ولذلك الذين فقدوا لذة الإيمان -لأنهم فقدوا الاستقامة على دين الله- يعيشون بلا تفكير بلا هدف بلا قصد، يقول أحدهم: لا أدري من أين جئت! ولا أدري أين أذهب! شك في المجيء وفي الذهاب، فلأي سبب من الأسباب، ولأي حدث من الأحداث ولو كان صغيراً يتخلص من هذه الحياة بالانتحار؛ لأنه غير مؤمن قال تعالى:{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}[هود:٣] هذا المتاع الحسن لا يكون إلا للمؤمنين، ويفقده غير المؤمنين، وهنا يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الأحقاف:١٣].
إذاً: هذه الاستقامة جزاؤها في الدنيا حياة سعيدة طيبة لذيذة، يتمتع فيها الإنسان بمتاع الحياة الدنيا، وتكون له خالصة يوم القيامة، فإذا أصابته مصيبة في الدنيا احتسبها عند الله، فخفت عليه المصيبة، إذا شعر بقصر الأجل شعر بالخلود الباقي في الآخرة بالجنة، فنفس هذا عنه، ووسع له ضيق الحياة الدنيا.