[ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
ومن هذه العقبات ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد من بلاد المسلمين فسدت فيها البيئة وتلوثت، وأصبح يشق على واحد من الناس أن يربي ولده في بيئة تعطل أو ضعف أو أُلغي فيها -كما يوجد في بعض بلاد المسلمين- جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتتلوث هذه البيئة، وأي إنسان يحاول أن يربي أولاده في مثل هذه البيئة أو يربي من يربيهم من أبناء المسلمين في مثل هذه البيئة يصعب عليه؛ لأن البيئة أصبحت ملوثة، وفيها كثير من المعاصي والآثام، ولذلك نقول: إن هذا يعتبر من العقبات التي تعترض سبيل المسلم بصفة عامة وسبيل الداعية والمصلح بصفة خاصة؛ لأنه تفسد هذه البيئة التي تعطل فيها جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر مما يصلح هذا المصلح.
ولذلك الله عز وجل بين في القرآن أن خيرية هذه الأمة تبقى بمقدار ما يبقى لها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، ليس لأنهم أبناء سام بن نوح، كما يعتز الجاهليون بأنهم من أبناء سام بن نوح، ولا لأنهم يعيشون في بلاد العرب أو بلاد القبلة أو بلاد الحرمين، ولا لأنهم من أمجاد وآباء لهم أنساب ضاربة في أعماق التاريخ، فهذه كلها لا وزن لها عند الله عز وجل، كما قال عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ولكن: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].
ومن هنا نقول تكون الخيرية إذا قام جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلد ما، ولذلك الله تعالى قال: (أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
حتى لا يظن المسلم أنه أخرج لنفسه ليخلص نفسه من النار، وإنما أخرج لغيره -أيضاً- حتى يخلص الناس من نار الله عز وجل، وهذه الخيرية تكون في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولذلك الذين يريدون أن يعود الظلام إلى الأرض تجدهم يضعون العراقيل الكثيرة في طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا عضو يُضرب، وهذا محل من محلات هيئة الأمر بالمعروف يُكسر، وهذا رجل يُتهم إلى آخره، حتى يلصقوا هذه التهم بهؤلاء فيزهد الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تتلوث هذه البيئة، وإذا تلوثت البيئة بعد ذلك يبيضون ويفرخون في المجتمع الإسلامي، فلا بارك الله فيهم.
فلابد من أن نقيم جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فنحن خير أمة أخرجت للناس إذا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، وإلا فسوف نكون شر أمة أخرجت للناس؛ لأن الرسالة التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات، ومعنى ذلك أن الخير يتعطل في الأجيال اللاحقة إلى يوم القيامة حينما يتوانى أهل هذا الجيل وأهل هذا العصر عن حمل هذه الرسالة إلى من بعدهم، قال عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج:٧٨].
ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تظن أن معناه الدعوة فقط، فهناك فرق بين الدعوة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالدعوة كلمة لينة، كأن نقول للإنسان: اتق الله.
لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوة تملكها الدولة، وتُملِّكها لمن يكون كفئاً لذلك.
فالمهم أنه لابد من أن يقوم جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواءٌ أكان من قبل الدولة أم من قبل المسلمين، ولذلك الله تعالى لما ذكر الموعظة والكتب السماوية والعدل في الأرض ذكر الحديد بعد ذلك مباشرة فقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:٢٥]، فذكر الحديد بجوار الكتب السماوية؛ لأن الحق بطبيعته قد يضيع بين الناس، ولأنه ليس كل الناس يتعظون بالموعظة.
إذاً لابد من أن تكون للمسلمين قوة، وهذه القوة تحمي جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن العقبات التي تعترض سبيل الداعية اليوم وسبيل المسلم تلوث البيئة، وفساد المجتمع، وانتشار المعاصي بسبب تعطيل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.