للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لعن آخر هذه الأمة لأولها]

ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (ولعن آخر هذه الأمة أولها): وهل يلعن آخر هذه الأمة أولها؟! وأول هذه الأمة هم الذين أقاموا دولة الإسلام التي مازالت الأمة الإسلامية تتفيأ ظلها الوارف، وتعيش في ظل فتوحات الفاتحين من سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فأولئك هم الذين قدموا أنفسهم فداءً لهذا الدين، وهم الذين وضعوا قواعد الدولة الإسلامية على أساس متين، والذين نقلوا لنا هذا الدين جيلاً بعد جيل وأمة بعد أمة.

وأما هل يوجد في آخر هذه الأمة من يلعن أولها؟ ف

الجواب

نعم، لقد كان هذا أمراً غريباً، لكننا وجدناه واضحاً في كثير من الأحيان، فقد وجدنا من يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يلعنهم، ومن يكفرهم ويخرجهم من الملة! كما يوجد فيمن يسمون أنفسهم بالشيعة من الرافضة.

بل لقد وجد في عصرنا الحاضر أمة تزعم أنها تتحمل مسئولية التجديد، ومسئولية محاربة القديم، وهؤلاء في أنفسهم عقدة التخلف وكراهية كل قديم، ولذلك فإنهم يحاربون كل قديم، ويزعمون أنهم يجددون في هذا العصر، ويريدون أن يقضوا على ذلك القديم الذي يعتبر تخلفاً وتأخراً ورجعية في نظرهم، مع أن الله سبحانه وتعالى سماه هو التقدم وسماهم هم المتأخرين، فقال عز وجل: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧]، والمراد بالتقدم: الأخذ بهذا الدين، والمراد بالتأخر: رفض هذا الدين.

وعلى كلٍ وجد في عصرنا الحاضر من يسمون أنفسهم بالحداثيين أو بالمجددين، والذين لا يروق لهم الأمر ولا تلذ لهم الحياة إلا حينما يحاربون كل قديم، ويطعنون في سلفنا الصالح رضي الله عنهم، وفي مؤلفاتهم من الكتب الصفراء كما يقولون، ويعتبرون أنفسهم هم المجددين، بل ربما يطعنون في دين الإسلام، ويعتبرون دين الإسلام تخلفاً، وأن ما أصاب الأمة من تخلف إنما سببه الأخذ بهذا الدين! هكذا يقولون، وربما يتمادون في طعنهم في هذا الدين، فيسبون خير البرية محمداً صلى الله عليه وسلم، ويعتبرونه هو الذي أخر هذه الأمة! وربما ينالون الله عز وجل بالطعن والأذى! وهم بهذا يؤذون الله ورسوله، وهؤلاء كلهم يدخلون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولعن آخر هذه الأمة أولها).

لكن ما موقفنا نحن من مثل هؤلاء المرتدين؟ موقفنا من هؤلاء المرتدين هو كما أمرنا الله عز وجل: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة:١٢]، وفي قراءة سبعية: (إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون).

فنقول: لا يجوز للأمة الإسلامية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هؤلاء الطاعنين في الإسلام والذين يتناولون دين الله بالسب والهمز واللمز، فيجب أن تكون للأمة الإسلامية ويجب أن تكون للحكومة الإسلامية قوة تحمي جانب هذا الدين، فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر الأمة الإسلامية بأن تدافع عن هذا الدين بكل قوة، بل أخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتب السماوية من أجل هداية البشر، ومن أجل إقرار قواعد الأمن والطمأنينة والعدل في هذه الأرض، وأنزل مع الكتب السماوية الحديد فيه بأس شديد، كما قال عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:٢٥].

فالمسئولية أولاً مسئولية ولاة الأمر الذين استرعاهم الله عز وجل على هذا الدين، وتأتي المسئولية في الجانب الثاني على كل واحد من المسلمين يغار لله عز وجل ولدينه، فإذا رأى دين الله عز وجل يُنال منه ما ينال فعليه أن يغضب لله عز وجل، وعليه ألا يغضب لنفسه أو لماله أو لحقوقه أكثر من غضبه لله عز وجل، وإذا غضب لنفسه دون أن يغضب لله فويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة.