قال سبحانه:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:٣٢] وهذه المقولة قالها أيضاً النضر بن الحارث ومن معه من كبار المعاندين للإسلام، وكان المفروض أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه؛ فإن هذا هو أقل ما يقال في حال الشك أو البعد عن الله عز وجل.
وقراءة:(الحقَّ) بالنصب على أن (هو) ضمير فصل ليس له محل من الإعراب، واسم كان:(هذا) وخبرها: (الحقَّ)، أما قراءة:(الحقُّ) بالرفع فعلى أنها خبر المبتدأ (هو) باعتباره مبتدأ، والجملة الإسمية هي خبر كان.
وإنما قال النضر بن الحارث ذلك تأكيداً منه على أن هذا القرآن ما جاء من عند الله، لا أنه يريد حجارة تنزل عليه من السماء، إنما يريد تأكيد الخبر، ويريد أن يثبت للقوم بأن هذا القرآن لم ينزل من عند الله -كما يزعم- ويقول: يا رب! إن كان القرآن نزل من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.
{أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال:٣٢] يطلب العذاب أياً كان، وهذا العذاب من السهل أن ينزل؛ لأن القوم تجرءوا على حدود الله، وكفروا به، وسخروا من كتابه، وآذوا رسوله عليه السلام، وأخرجوه من بلده، وحاربوا الإسلام، ووقفوا له عند كل مرصد، لكن حلم الله عز وجل أكبر من ذلك، فالله تعالى لا يعاجل هذه الأمة بالعقوبة، والسر في ذلك: أنها آخر أمة، وكونها آخر أمة فستظل باقية، تتناقل الإسلام جيلاً بعد جيل.