[ضرورة استقلال الشخصية الإسلامية وعدم ركونها إلى غيرها]
لقد أمر الله سبحانه وتعالى الشخصية الإسلامية أن تستقل عن غيرها، وأمر المسلمين ألا يستعينوا بالكافرين، وألا يركنوا إليهم وألا يميلوا إليهم، وألا تكون هناك محبة أو موالاة لهم، قال الله تعالى:{لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:٢٢] وهم الكفرة {وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:٢٢]، يعني: لا تواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباً لك، وانظر إلى امتثال ذلك في حال إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما تبرأ من أبيه لأنه رجل كافر، قال تعالى عنه:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة:١١٤].
وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يلومه الله تعالى أن مال قليلاً إلى ابنه الكافر:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود:٤٦]، ثم يقول:{إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[هود:٤٦]، فيعتبرها نوح عليه الصلاة والسلام ذنباً عظيماً اقترفه في جنب الله فيقول:{رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[هود:٤٧].
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ينزل الله عز وجل في عمه أبي لهب قرآناً يتلى إلى يوم القيامة:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}[المسد:١]، وأدنى النبي عليه الصلاة والسلام الأباعد من الرجال، وأبعد الأقارب؛ لأن أولئك الأقارب الذين أبعدهم أعداء لله ولرسوله، ولأن أولئك الخيار الذين أدناهم من أولياء الله تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:٥٥ - ٥٦].
ولما أنزل الله عز وجل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة:٥١] قال المنافق عبد الله ابن أُبي بن سلول لعنه الله: نريد أن نعقد حلفاً مع اليهود؛ فإنا نخشى أن تصيبنا دائرة، يعني: نخاف من أيام الدنيا فنستعين بهم على نوائب الحياة، مع أنهم يسكنون المنطقة التي يعيش فيها المسلمون، فينزل الله تعالى آية أخرى:{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}[المائدة:٥٢] أي: المنافقين {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة:٥٢] أي: في ولاية الكافرين، {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}[المائدة:٥٢] فما هو الحل؟ الحل:{فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة:٥٢].
إذاً: فالركون إلى الكافرين محبةً وموالاةً أمر خطير جداً، قال الله:{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود:١١٣]، فإن العقوبة شديدة وليست هينة، فالمس هنا معناه: الإحراق بالنار.