إذاً: هذا هو الكافر أو الفاسق الذي يقدم الحسنات، لكن بدون نية وبدون إرادة الحياة الآخرة، وبدون هدف رضا الله عز وجل، وربما يقدم حسنات في الظاهر، لكنها في الحقيقة ليست بحسنات، كما يفعل الصوفية والمبتدعة، نعوذ بالله من حالهم، فقد رأينا في بعض بلاد المسلمين من يسهر من العشاء إلى الفجر في عبادة، لكنها تذهب به إلى نار جهنم، فأحدهم يطوف حول قبر، ويتمسح به، ويتغنى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: هذا هو الدين، ويرقص ويغني، وهذا الدين يعيشه مع الأسف الشديد كثير من المسلمين اليوم، وهذا هو ما أشار الله عز وجل إليه بقوله:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ}[النور:٣٩]، وقال في آية أخرى:{كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}[إبراهيم:١٨]، وقال الله عز وجل:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}[هود:١٥]، وقال الله عز وجل:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}[الغاشية:٢ - ٤].
والعجيب أنها عاملة وناصبة تتعب في طاعة الله، لكن تصلى ناراً حامية يوم القيامة؛ لأن أصحاب هذه الطريق لا يسيرون على المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، ولو كانوا على بصيرة لنفعهم هذا العمل، أما هذا العمل إذا كان على غير المنهج الصحيح فإنه لا يقبل عند الله عز وجل، فلا يقبل عند الله من العمل إلا ما كان خالصاً لله وصواباً على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وأي عمل ليس خالصاً لله، ولا يقوم على قاعدة الإيمان، وليس موافقاً للمنهج الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كسراب بقيعة، فليعمل من شاء ما يشاء أن يعمل فلن يزيده من الله عز وجل إلا بعداً.
فكم من دموع تراق عند القبور والأضرحة! نسأل الله العافية، ونشكر الله على نعمة الهداية، ونسأل الله أن يتغمد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بواسع رحمته، فقد سلمت هذه البلاد بسبب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، فوالله يا إخوان إن بلاد الحضارة لو جئت إليها لوجدت الدموع تسيل كأنها أنهار من عيون هؤلاء القوم من خشية الله، لكن على طريق غير صحيح، إما عند قبر ميت أو غيره، وتجد أحدهم قد ولى الكعبة ظهره، واتجه إلى صاحب القبر يسأله من دون الله عز وجل! وقوله تعالى:{كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً}[النور:٣٩]، القيعة هي: الأرض الواسعة، والسراب هو شيء يشبه الماء، ولكن لا يمكن أن يشرب أحد من هذا السراب ماءً؛ لأن السراب لا حقيقة له، فيهلك ويركض وراء هذا السراب ويموت وينتهي، فأعمالهم كمن يركض وراء السراب، أي: أنهم يركضون وراء أعمال لا حقيقة لها، ثم يهلكون دونها يوم القيامة، ثم يوقفون على شفير جهنم، فلا تنفعهم تلك الأعمال وإن كان ظاهرها الصلاح ما دامت غير صحيحة، أي: ما دامت غير خالصة لله عز وجل فلا تنفع، وهذه أعمال المنافقين، وأظن العلمانيين من هذا النوع؛ فالعلمانيون يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون، وربما يسابقون الناس إلى المساجد، لكن يقولون: دين الإسلام لا يصلح للحياة كنظام، فنقول: أعمالكم كسراب بقيعة؛ لأنكم كفرتم بالله عز وجل، قال عز وجل:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}[المائدة:٥]، وما دام أنكم تتهمون دين الله أنه لا يصلح للحياة، والله تعالى يقول:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[النحل:٨٩]، ويقول:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام:٣٨].