لقد منينا بفترة كثر فيها التقلب وقلت فيها الاستقامة وكثرت فيها عوامل الانحراف، فأصبحنا نلاحظ ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا، فلا نكاد نسر برجل من المؤمنين تعجبنا أخلاقه وفضائله وسلوكه ودينه حتى نفاجأ بانحراف أصاب هذا الإنسان، ولا أكتمك سراً إذا قلت لك: إن كثيراً من الرجال الذين كانوا بالأمس تعلق عليهم آمال بعد الله عز وجل، وكانوا مضرب المثل في الخلق والاستقامة رأينا كثيراً منهم قد غير وبدل وأصيب في نفسه، أو أصيب في بيته بشيء من الانحراف أو بكثير من الانحرافات التي أصابت كثيراً من الناس.
وأضرب مثلاً: كان هناك بالأمس أناس ينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف، ولا نكاد نصدق حينما نجد في بيوت هؤلاء الذين كانوا بالأمس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كثيراً من المنكرات، بل أكبر من المنكرات التي كانوا ينهون عنها بالأمس، وهذه هي المصيبة العظمى التي لا تساويها مصيبة، وذلك حينما رأينا الانحراف بدأ في بيوت هؤلاء الصلحاء ووصل إليها في وقت كنا نتطلع إلى أن يشمروا عن سواعد الجد حينما يكثر الانحراف في المسلمين في مثل هذه الفترة العصيبة من فترات التاريخ.
فلو رأيت ما في بيته فلا يكاد يسرك في كثير من أحواله، وعلى سبيل المثال وسائل الانحراف التي جاءت عن طريق الإعلام في كثير من العالم الإسلامي تسربت إلى بيوت الصلحاء والمؤمنين، فلا نكاد في هذه الأيام نفرق بين بيوت الصلحاء والمنحرفين في كثير من البلاد، حتى أمر النساء الأجنبيات والخادمات والسائقون الذين يقودون السيارات، والذين تسلم لهم بنات المسلمين يكاد أن يعم ويطم في هذه الأيام، فما الذي حدث؟ لم يحدث شيء بعد إلا أن الله تعالى امتحننا بالنعيم بعد أن كنا نعيش في شظف من العيش، وهذه هي مصيبة الترف، وهذه هي مصيبة النعمة تأتي بعد الفقر، فلا يكاد يتحملها كثير من الناس.