للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من الأذى الذي تعرض له الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الغربة]

يتطور الأمر ويصل العذاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغربة، فيقاسي من آلام العذاب ما لم يقاسه أحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل الأذى ويمسح الدم عن وجهه بسبب جراحات قومه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، ويسيل الدم من عقبه وتكسر ثنيتاه، وتجرح وجنته، ويقول المجرم أبو جهل عليه لعنة الله إلى يوم القيامة ذات يوم: إذا رأيتم محمداً يصلي فأخبروني، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة نادوه: يا أبا الحكم! هذا محمد يصلي، فيأتي ويقبل عليه ثم يدبر ثم يقبل عليه ثم يدبر، يريد أن يطأ على عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: ماذا جرى لك؟ فقال: والله لقد رأيت بيني وبينه فحلاً قد فغر فاه يريد أن يأكلني.

ثم بعد ذلك ينزل الله تعالى في شأنه: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق:٩ - ١٠].

ثم بعد ذلك يتطور الأمر فيلاقي من أهله وذويه عليه الصلاة والسلام كل جفاء، فيبصق في وجهه أبي بن خلف عليه لعنة الله إلى يوم القيامة، وقصته معروفة: حينما دعا أبي بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مائدة طعام ذات يوم، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحضر طعامه حتى يشهد أبي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم يشهد أبي أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم مائدته، ثم يلومه المشركون من قرناء السوء وأصحابه وجلسائه ويقولون: أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! والله لا نكلمك أبداً حتى تذهب وترتد عن الإسلام وتبصق في وجه محمد، ثم يذهب فيبصق في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرتد عن الإسلام، ويرد الله تعالى بصاقه إلى وجه أبي، فتصبح علامة فيه إلى أن مات.

هكذا تتطور الغربة وتزيد الغربة قسوة أن يحارب الرسول صلى الله عليه وسلم ويحارب المؤمنون معه من أهلهم وذويهم، وكما يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند وعلى هذا فقد قامت كل المساومات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليتنازل عن دعوته، ولكنه يرفض كل هذه المساومات، ويقول لعمه الذي كان مندوب هذه المساومة: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).