والجريمة الثانية التي استحقوا بها الهزيمة هي ادعاؤهم المقدرة على الإتيان بمثل هذا القرآن، قال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[الأنفال:٣١].
لقد كان النضر بن الحارث ومن على شاكلته من الوثنيين المعاندين إذا سمعوا القرآن سخروا منه، وقالوا: هذه أساطير الأولين؛ كما هو منطق كثير من المعاندين للإسلام اليوم، ولربما يكون بعضهم من المحسوبين على الإسلام، كما قال طاغية من طغاة الأرض ذات يوم: إن العقل لم يعد يصدق بما يقوله محمد في القرآن من عصا موسى، وقصة أصحاب الكهف، وإن محمداً يأتي بخرافات ويضعها في القرآن فأخذ الله عز وجل هذا القائل أخذ عزيز مقتدر، ولربما أخذ الله أمة بسبب مقالة رجل يتعدى حدود الله عز وجل ويتجرأ على دينه إذا سكتت عن مثل هذا القول الذي قاله رجل في عهد الرسول عليه السلام.
يقول الله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا}[الأنفال:٣١] أي: سمعنا ما تقوله يا محمد، {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا}[الأنفال:٣١] أي: إن القرآن كلام نستطيع أن نقول مثله، ولذلك وجد منهم من عارض القرآن وسخر منه وجاء بشيء مضحك زعم أنه يشبه القرآن! وهؤلاء هم المستهزئون الذين يقول الله تعالى عنهم في سورة الحجر:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}[الحجر:٩٥].
ثم قالوا:{إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[الأنفال:٣١] أي: ما هذا إلا قصص وخرافات من الأولين يأتي بها محمد ويضعها في القرآن، ويقصدون بأساطير الأولين ما قصَّه الله تعالى من أخبار الأمم السابقة الذين في قصصهم عبرة لأولي الألباب.
فهذه هي الجريمة الثانية من جرائم القوم، والتي كانت سبباً في تسليط المسلمين على المشركين، فليحذر المنسوبون للإسلام الذين يتجرءون في مثل هذه الأيام على مثل هذه المقالات، ويطعنون في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، ويسخرون من المسلمين ومن دينهم فليحذروا أن يجروا قومهم إلى دار البوار والهلاك والدمار؛ بسبب ما تتفوه به ألسنتهم.