[فضل العدالة في إقامة الأمر بالمعروف والدعوة إلى الله]
إن الإمام العادل هو الذي يقود سفينة الحياة إلى طريق أفضل، هو الذي يخلصها من الأمواج المتضاربة، والأزمات المدلهمة إن العدل هو الذي يفرض على من يتولى أمراً من أمور المسلمين أن لا يولي على أمورهم إلا كفؤاً.
والعدل هو الذي يفرض على الإمام الذي يحكم بشرع الله أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}[الحج:٤١]، فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن الأمة التي لا ترسخ فيها قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يفسح فيها الطريق للدعوة إلى الله عز وجل؛ أمةٌ في خطر؛ لأنها تكون قد فقدت أكبر وأعظم مقوم من مقومات البقاء والوجود في هذه الأرض، ويخشى عليها من عقاب الله عز وجل.
إنه قد تأتي فترةٌ من الفترات، في زمن من الأزمنة، في مكان من الأمكنة ينشط دعاة الباطل، ويتكلمون ملء أفواههم، ويسكت دعاة الحق عن الدعوة إليه، وحينئذٍ يضطر دعاة الحق إلى أن يطالبوا بالعدل؛ فضلاً عن أن يطالبوا بأن تكون الكلمة للمصلحين لا للفسقة والمجرمين، هذا هو الذي يحدث في كثيرٍ من الأحيان في أيامنا الحاضرة في جل العالم الإسلامي.
ولذلك فليس من العدل أن يتحرك دعاة الباطل ويسكت دعاة الحق؛ لأنه إذا تحرك دعاة الباطل وسكت دعاة الحق فإن المصيبة لن تكون في الجور وعدم العدل فقط، ولكنها مصيبة الفساد العريض الذي سيصيب الأمة، ولذلك نقول لمن ولي أمراً من أمور المسلمين: اتق الله! واترك المجال للدعوة إلى الله عز وجل، فإن دعاة الباطل وإن ابتسموا في وجوه الناس، أو في وجوه ولاة الأمر، فهم الذين يحملون الحقد الدفين على هذه الأمة، وعلى أي حكومةٍ شرعية تقوم على منهج الكتاب والسنة، أما دعاة الحق فهم الذين يشعرون دائماً بالعهد والميثاق الذي أبرموه بينهم وبين الله عز وجل من جانب، وبينهم وبين السلطة الشرعية من جانب آخر، وهم الذين يحرصون كل الحرص أن تكون على ما يرضي الله عز وجل، وأن تكون الأمور على ما يرضي الحاكم بشرع الله عز وجل.
إن مفهوم الإمام العادل ليس مقصوراً على من تولى الإمامة الكبرى فحسب، وإن كان هذا أول ما يتبادر إلى الذهن، لكن كل من ولي أمر المسلمين فإنه سيسأل بين يدي الله عز وجل يوم القيامة عن هذه المسئولية، وعن هذه الأمانة التي تحملها، وهي الأمانة التي يقول الله عز وجل عنها:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب:٧٢].
إن الإمام العادل الذي يحكم الناس بشرع الله، ويطبق فيهم أوامر الله عز وجل، ويفسح الطريق للدعوة إلى الله من أجل أن تسير الأمور إلى الأفضل، هو أول السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم القيامة.
أما الإمام الجائر الذي يسير بالأمة في طرق منحرفة معوجة، ويرى أن الحق له دائماً وليس هناك حق عليه الذي يحاسب الناس على كل صغيرة وكبيرة، ولا يفكر أنه سوف يحاسب بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، ذلك الحساب الذي ينشر له فيه كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ويقال له في ذلك الموقف:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}[الإسراء:١٤]؛ فإنه على خطر عظيم، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل قبل فوات الأوان.