في هذه الأيام نودع عاماً وهو يساوي نسبة كبيرة من العمر، لا بد أن نقف أمام سجلات الأعمال وكأنها قد نشرت أمام كل واحد منا يوم القيامة، فنحاسب أنفسنا، كما يقف التاجر أمام دفاتر التجارة، ويحسب القرش والريال؛ حتى يتلافى الأخطاء التي وقع فيها في العام الماضي، ثم يصحح ذلك في العام المستقبل، وكما يقف المسافر الذي يسير في طريق طويلة، ومعه قليل من الزاد، والسفر طويل، والسفر شاق، والجو قائظ حار، فلا بد أن يتفقد متاعه وما يحمله؛ حتى لا يعرض نفسه للهلكة.
أيها الإخوة المؤمنون! إنّ الساعة التي نعيشها في هذه الأيام ساعة حاسمة، فإذا كنت قد أودعت سيئات فيما مضى فاستغفر الله وتب إليه، واشكر الله عز وجل الذي أمد في عمرك حتى تنتبه إن كنت في غفلة، واشكر الله عز وجل الذي يفتح باب التوبة دائماً وأبداً، فيبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.
إنّ هذه النعمة لا تتوافر لغير المؤمن، فمهما عمل من السيئات، ومهما أسرف على نفسه، ومهما جنى من الخطايا فإن باب التوبة مفتوح، ولا يغلق حتى يغرغر هذا الإنسان، أي: حتى تبلغ الروح الحلقوم، أو حتى تطلع الشمس من مغربها كما قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}[الأنعام:١٥٨].