[ضياع حقوق المرأة في مجتمع الحضارة]
إن أعداء الإسلام يكرهون المرأة والرجل، ويكرهون الإسلام كله، ويريدون أن نضل السبيل، {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧]، إنهم يناقضون كل هذه الأشياء، فيقولون عن الحدود بأنها وحشية وقسوة، وإن كانت تصلح في عصر الخيمة والبعير لكنها لا تصلح في عصر الطائرة والصاروخ والمركبة الفضائية؛ هكذا يقولون، ونسوا أو تناسوا أن هذا القرآن من لدن حكيم خبير، يعلم ما حدث في الماضي، وما يحدث في المستقبل، وما يصلح البشرية! ثم قالوا أيضاً عن القلب: لا مانع أن يتمتع المجتمع ولو عن طريق السماع، فكانت هناك مسرحيات، وكانت هناك أمور هائلة ومصائب كبيرة تصك أذان المؤمنين من خلال وسائل الإعلام تتحدث عن الفاحشة والجريمة والخيانات الزوجية، إلى غير ذلك مما هو في الأفلام، وقالوا عن الاختلاط: إنه رقي وتحضر، وإن المجتمع الذي لا يختلط -كما ذكرت لكم سالفاً- تصبح فيه وحشة بين الذكر والأنثى، ويصبح هذا الرجل دائماً يلهث وراء هذه المرأة، لكنه حينما يختلط بها ويندمج معها، ويراها مكشوفة أمام عينيه، وتكون سهلة له، يصبح الأمر طبيعياً فتزول هذه الوحشة! كما يقولون.
ونحن نقول لهم: كذبتم ورب الكعبة؛ لأن المجتمعات التي تساهلت في شأن المرأة، والتي تفسخت فيها المرأة واختلطت بالرجل، هي المجتمعات التي أثبتت الرقم القياسي في الانحراف في الفاحشة والجريمة، ولذلك فإن البلاد التي يقولون عنها إنها راقية، فيها إحصائيات للاختطاف وللخيانات الزوجية وللفواحش وللقتل وللسلب تسجل بالدقيقة أو بالثانية، وأصبح الأولاد غير الشرعيين في البلاد التي يزعم أهلها بأنها بلغت مستوى عالياً من الحضارة والتقدم، فاستطاعت أن تقضي على الوحشة بين الرجل والمرأة، أصبحت المحاضن ودور الأيتام والأطفال اللقطاء والأولاد غير الشرعيين تشتكي من هذا الفيض العظيم الذي لا تستطيع أن تتحمله.
والبلاد التي تبرجت فيها المرأة وانحلت، بلغت أيضاً مستوى من الرذيلة لا نظير له، وهذه مشكلة، والمشكلة الأكبر منها أن تقوم في المجتمعات الإسلامية أمم منحرفة تطالب بشيء كان العدو وما زال يحذرنا منه، حيث وقع فيه فأصبح يعض أصابع الندم، ويضرب يداً بيد على ما كسبت يداه، ويريد هؤلاء المنحرفون أن يبدأ المسلمون من حيث ينتهي العدو، وهذه تعتبر من أطم البلايا وأكبر المصائب، ولذلك فإنهم يتهمون المجتمع الإسلامي بأنه مجتمع متقوقع متخلف، أصبحت فيه المرأة كما يقولون: سوداء مظلمة، أصبحت معطلة وطاقة لا يستفاد منها، مجتمع لا يتنفس إلا برئة واحدة، مجتمع منحرف ضال متخلف؛ لأن المرأة لا تقود فيه السيارة؛ لأن المرأة لا تشتغل فيه بجوار الرجل، وكما يقول الشاعر: أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام وإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام ولنا درس في الأمم التي سبقتنا إلى هذا الأمر، تلك الأمم التي أصبحت المرأة لا كيان ولا وجود لها، بل إن القوانين التي تتابع المجتمع المنحرف في سيره أصبحت تهبط بمقدار ما يهبط هذا الإنسان، فإذا هبط الإنسان درجة هبطت هي درجتين من أجل أن تحقق للإنسان في أنظمتها الأشياء التي يريدها هذا الإنسان المنحرف، حتى لقد سمعنا في الأخير نواد للعراة في بعض دول الكفر، وسمعنا الشذوذ الجنسي، وزواج الذكر بالذكر أصبح أمراً رسمياً في بعض البلاد الكافرة، ورأينا بأعيننا دوراً للدعارة في وضح النهار، وتحمل تصريحات من الدولة في بعض البلاد الإسلامية، وتحرسها عيون تلك الدول بل رأينا ما هو أخطر من ذلك، رأينا شباباً ألهبته هذه الأفلام الجنسية الصارخة التي جاءت بمهمة خطيرة في البلاد المحافظة كبلادنا هذه، فرأينا كثيراً من الشباب يرقبون عقارب الساعة، وينتظرون الفرص التي تسنح لهم ليذهبوا إلى بلاد لا تعرف أعرافاً ولا أخلاقاً ولا ديناً.
فرأينا مع الأسف الشديد الخطر الداهم، ونحن نرى أبناء المسلمين يذهبون إلى بلاد الدعارة والمخدرات وبلاد والفساد إلى آخره، حتى رأينا هذه الطائرات وهي تستعد قبل هذه المواسم بمدة طويلة، وهي تسجل هؤلاء الشباب ليذهبوا إلى بلاد لا تعرف خلقاً ولا ديناً ولا فضيلة، والضحية في ذلك كله هي المرأة، بل إن الأمة الإسلامية كلها تعتبر ضحية لهذا الواقع الأليم، فانتشرت المخدرات في بلاد المسلمين بسبب هذه البلاد التي لا تحترم أي فضيلة ولا تحسب لها أي حساب.
وفي هذه الفترة التي رأينا المرأة تباع وتؤجر، ويتعامل فيها بعض هؤلاء الناس كما يتعاملون بأبسط الأمتعة؛ رأينا مع ذلك كله ضجة كبرى وصحية عارمة تزعم أنها تسعى لحقوق المرأة، وهل حرية المرأة أبقت للمرأة أي حقوق؟ هل تعلمون أيها الإخوان! أن في تايلاند البلد الكافرة التي يسافر لها شباب المسلمين بالآلاف يومياً، هل تعلمون أن البنت هناك تباع كما تباع الماعز في الأسواق، وتؤجر كما تؤجر الشقق بأبسط الأثمان؟ أم هل علمتم أيها الإخوان! أن المخدرات في تلك البلاد تباع كما تباع المشروبات المباحة في بلادنا؟ إذاً: لماذا يذهب شبابنا إلى هناك؟ ولماذا تسقط المرأة إلى هذا المستوى؟ وإذا كانت المرأة قد سقطت على أيدي هؤلاء المخربين إلى هذا المستوى ودون ذلك، فلماذا يزعم مدعو الحضارة أن للمرأة حقوقاً، وأنهم يطالبون بهذه الحقوق؟ أي حقوق بقيت؟ إن الله تعالى هو الذي أثبت حقوق المرأة، فكانت المرأة تورث في يوم من الأيام، إلى أن أنزل الله عز وجل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:١٩]، فكان الرجل إذا توفي وله أولاد من غير هذه المرأة التي خلفها وراءه؛ يتسابق أولاده فأيهم وضع عليها رداءه يكون أحق بها؛ إن شاء تزوجها، وإن شاء نكحها بدون زواج، وإن شاء باعها، وإن شاء فعل فيها ما يريد، إلى أن أنزل الله عز وجل قوله: (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا).
وأرى المرأة في عالم الحضارة المزعومة في القرن العشرين حضارة الجاهلية الثالثة التي لم تسبق مثلها جاهلية قط في انحرافها أرى المرأة قد سقطت عن ذلك المستوى بكثير، فأصبحت المرأة تباع وتشترى، وتؤجر وتمتهن وتحرم حتى متعة الحياة الزوجية الراشدة الثابتة التي تبنى على قواعد سليمة، وعلى عش سليم حتى يكون لها أولاد، وحتى تتحقق لها العاطفة التي أعطاها الله عز وجل حتى للحيوان؛ التي هي عاطفة الإنجاب والأولاد، لكن المرأة في عصر الحضارة المزعومة تحرم من ذلك كله في كثير من الأحيان، لقد سقطت المرأة فأصبحت في بريطانيا لا تساوي نصف جنيه إسترليني تدفعه هي لتبحث عن زوج لعلها تجد فيه عشاً آمناً.
والمرأة في بلادنا مكرمة والحمد لله، ولكن يقوم اليوم أناس على قدم وساق من مدعي الحفاظ على حقوق المرأة وعلى حرية المرأة يقولون: إنها امرأة مهضومة، مع أنه لا يحصل عليها الرجل غالباً إلا بأموال طائلة، لنفاستها وعزتها وكرامتها.
إذاً أيها الإخوان: المرأة يريد لها أعداؤها كما يقول الله عز وجل: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧]، ويريد الله لها عز وجل العزة والكرامة: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٦].
إذاً: علينا أن نعرف أعداء المرأة، وعلى المرأة أن تعرف أعداءها، وألا تنسى أعداءها أو تتجاهلهم في غمرة الادعاءات الكاذبة المزعومة التي كثر فيها أنصار المرأة، ولكن لا نجد لها نصيراً إلا دين الله عز وجل، الذي أنزل حقها في الميراث، وكانت محرومة عبر القرون الماضية؛ حتى أنزل الله عز وجل قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ} [النساء:٧]، حتى الإبرة يجب أن تقاسمها إخوانك: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء:٧]، كل ذلك يؤكد حقها.