الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي خلق عباده حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده؛ فجزاه الله عنا وعن الأمة الإسلامية خير الجزاء، وصلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.
أما بعد: قبل الشروع في الحديث عن مواطن تربية الرجال أو عن مصانع الرجال، نستعرض آيات من كتاب الله عز وجل أشارت إلى هذا الموضوع بإسهاب، وبينت الجانب السلبي والإيجابي بالنسبة لتربية الرجال.
تحدثت الآية الأولى عن نور الله في قلب المؤمن، وكيف ينمو ويترعرع هذا النور، وما شبهه بالنسبة لما يشاهده البشر في عالم الكون، وإن كان طائفة من العلماء قد ذهبوا في تفسير هذه الآية إلى أن المراد هنا: نور الله عز وجل الذي هو اسم من أسمائه، وصفة من صفاته، لكن ذلك بعيد؛ لأن نور الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يشبه أي شيء من المخلوقات، فالذي أميل إليه في هذه الآية: أن المراد بهذا النور المذكور هو نور الإيمان الذي يقذفه الله عز وجل في قلب المؤمن.
وقد جاءت هذه الآية بعد إسهاب طويل، وشرح مفصل عن الفاحشة، وعن أسبابها ووسائلها، وقطع الطرق الموصلة إليها، ابتداء من أول سورة النور:{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النور:١]، إلى آخر آية من المقطع الأول من هذه السورة:{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}[النور:٣٤].
وأنت ترى في الآية التي هي المطلع للسورة ((سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا))، والآية التي هي الخاتمة لهذا الجزء من هذه السورة:((وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ))، وما بين هاتين الآيتين، تربية عظيمة على الأخلاق والفضيلة، ومحاربة فريدة للرذيلة وفاحشة الزنا التي هي أعظم الفواحش التي يفعلها الناس فيما بينهم! وقد تحدثت الآيات بإيجاز بسيط عن الحدود، ثم عن الحديث عن الفاحشة، وعدم إنكار هذا الحديث، وعدم وجود رادع يقابل هذا الحديث، ثم تحدثت بعد ذلك عن الاختلاط الذي أصبح الآن لوثة عصرية! ثم تحدثت -بعد ذلك- عن النظر وعن غض البصر، ثم تحدثت بعد ذلك عن الزواج الذي يعتبر الحصن الحصين لهذا الإنسان، فحينما يتزوج يكون في مأمن -بإذن الله عز وجل- من هذه الفاحشة.
فهذه تربية خلقية عظيمة، ومهما بذل المربون، وعلماء الاجتماع والأخلاق، فلا يمكن أن يصلوا إلى جزء منها.