أيها الإخوة! في عصر من يزعمون أنهم أنصار المرأة، والمطالبون بحقوقها وحريتها، نرى أن المرأة قد سقطت في المجتمع، ويصح أن نقول: إنها سقطت سقوطاً أعظم من سقوطها في الجاهلية الأولى وفي الجاهلية الثانية؛ بل وفيما قبل ذلك في العصور السابقة، التي ما كان للمرأة فيها قيمة ولا أثر؛ بل كانت تعد من سقط المتاع، فقد كانت تورث، فإذا مات زوجها فإن أقرب أولاده من غيرها يبادر ليضع عليها رداءه ليكون أحق بها، إن شاء باعها، وإن شاء وطأها، وإن شاء تزوجها، وإن شاء فعل بها ما أراد، إلى أن أنزل الله عز وجل قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا}[النساء:١٩]، بل وأثبت لها الميراث، وما كانت ترث قبل ذلك:{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}[النساء:٧].
وإذا كانت المرأة يشك الرومان واليونانيون وأصحاب الملل قبل الإسلام في إنسانيتها، وفي بشريتها، وهل هي مخلوق محترم، أو من سقط المتاع؟ وهل لها روح أو لا روح لها؟ فإن في جاهلية اليوم بالرغم من تلك الهالة، وذلك الإطراء الشديد الذي يتحدثون فيه عن حقوق المرأة وحريتها؛ نجد أنهم حطوا من شأنها أكثر من ذلك لقد أصبحت دمية يتسلى بها العابثون تزين بها المعارض، وتعرض عليها الأزياء، وتجمع بها الأموال؛ بل وتكون دعاية حتى لشركات الطيران بين السماء والأرض، حينما يختارون أجمل فتاة من أجل اصطياد الناس، أو من أجل الدعايات الكاذبة لأهدافهم ولمطالبهم.
إن المرأة قد وصلت في عصرنا الحاضر إلى أن صار مهرها في بعض الدول المتطورة المتقدمة -كما يزعمون- لا يساوي جنيهاً واحداً إسترلينياً، بالرغم من أننا نجد المرأة المسلمة المحجبة المحترمة، تبذل في سبيلها أغلى الأثمان وأكثر القيم، ولذلك فإننا نقول: أي حضارة تزعم أنها تحترم المرأة في أيامنا الحاضرة، وفي قانونها وفي نظامها أن المتفق عليه في كل بلاد العالم التي لا تحكم بشرع الله أن المرأة بعد الثامنة عشرة من عمرها تخرج من البيت، ولا يلتزم أبوها بالنفقة عليها، وعليها أن تبحث عن الرزق ولو عن طريق الحرام، ولو أن تتنازل عن شرفها وكرامتها من أجل أن تحصل على لقمة العيش؟! أما المرأة في ظل الإسلام فإن الله عز وجل يقول:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:٢٢٨]، ويقول:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:١٩]، ويلزم الأب أن يقوم بكل حاجات ابنته كسائر أبنائه، حتى يسلمها لزوجها، الذي يلتزم بكل نفقاتها الصغيرة والكبيرة، دون نقص ولا شطط.
ومن هنا نقول: إن المرأة التي تعيش معنا اليوم في هذا العالم لا يمكن أن تتنفس الصعداء ولا أن تجد الحرية ولا أن تجد حقها إلا في ظل هذا الدين، ولذلك فقد انخدعت كثير من النساء اللواتي صدقن ما يقال عن الإسلام وضد الإسلام، فزهدت كثيرات منهن في الإسلام، وتمسكت الأكثر منهن بهذا الدين، واعتبرته هو مصدر سعادتها وعزتها وكرامتها.
أيها الإخوة! وبالرغم من هذا الغزو الفكري والشهواني، وبالرغم من هذه المخططات الرهيبة التي صدقها بعض الببغاوات في بلاد الإسلام، وصاروا يرددونها، ويقولون: المرأة مظلومة المرأة في مجتمعنا مهضومة حق مجتمعنا معطل نصفه مجتمعنا لا يتنفس إلا برئة واحدة مجتمعنا تعيش فيه المرأة في الحضيض كما يقولون مجتمعنا يشكل حياة تشبه الحياة في القرون الوسطى!! هؤلاء في الحقيقة هم على نوعين: نوع مخدوع بما يقوله أعداء الإسلام؛ لكنه لم يقرأ عن الإسلام قليلاً ولا كثيراً، ولا عن الحضارات التي سبقت الإسلام وكيف كانت تتعامل مع المرأة، ونوع آخر حاقد على الإسلام، وإن كان من أبناء جلدتنا، وإن كان ممن يتكلمون بألسنتنا، وهذا النوع الحاقد على الإسلام هو الذي يريد أن يكون طبلاً يدق به أعداء الإسلام، وأن يكون بوقاً ينفخون فيه، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، قاتلهم الله أنى يؤفكون! ولذلك نقول: المرأة في بلاد الإسلام امرأة لها كل حقوقها وحريتها التي أعطاها الله عز وجل إياها، ومنحها إياها، وخلصها بها وبهذا الدين من براثن الجاهلية، ومن مخططات الأعداء، وما عليها إلا أن تسلك طريق الإسلام، وستجد في آخر المشوار؛ بل في أوله وأوسطه سعادتها وعزتها وكرامتها.