سادس هؤلاء السبعة: قال عليه السلام: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله).
من يستطيع أن يفعل مثل هذا الموقف؟! شاب شهوته متأججة مشتعلة، والفتن والمغريات كثيرة أفلام، ومسلسلات، ونساء، واختلاط، وعشق وغرام، وموسيقى وأغان تملأ الأسواق والبيوت أمور كثيرة تؤجج الشهوة وتشعلها، وقد تكون المهور غالية فلا يستطيع أن يتزوج، ثم تعرض له شهوة من شهوات الحياة الدنيا، وليس هناك أحد يطلع عليه إلا الله عز وجل قد أسدل الأستار، وأخفى أمره في ظلام الليل، ثم تدعوه امرأة ذات منصب -أي: مكانة عالية- وجمال، وتقول له: تعال للفاحشة! فهل سيترك هذا الشاب تلك الفاحشة بعد تلك المغريات، وبعد تلك الأمور التي شحذت شهوته وأشعلتها في قلبه؟! نعم إنه يستطيع أن يتركها إن كان من الأتقياء الصالحين؛ لأنه يعرف أن هذه الشهوة سوف تحرمه شهوةً خالدة ونعيماً لا يزول، فيقول كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام:{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}[يوسف:٢٣].
هكذا يجب أن تكون الخشية لله عز وجل، وإن هذه الخشية التي تنتهي بدمعة حارة تنزل على الخد، وقد غاب هذا الإنسان عن أعين الناس، لا يمكن أن تلين لأجل مخلوق من المخلوقين.
إن هذه الخشية هي التي نريد أن نتحلى بها جميعاً؛ بل إننا أشد حاجة إليها من حاجتنا إلى الطعام والشراب والهواء في أيامنا الحاضرة؛ لأن الفتن قد كثرت وانتشرت، واعترضت طريق المؤمن إلى ربه سبحانه وتعالى، وأصبح كثير من الناس يخوَّف بغير الله عز وجل:{وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:٣٦]، لقد خاف كثير من الناس من غير الله عز وجل في هذا السبيل، فحصل خلل لا في جانب العمل والسلوك فحسب، بل في جانب العقيدة والتوحيد.
إن الخشية من دون الله عز وجل ليست معصية فحسب، ولكنها نوع من الشرك لماذا تكون الخشية لغير الله عز وجل؟ أليست قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء؟! أليس الرزق والحياة والموت والنشور كله بيد الله عز وجل؟! أليس البشر لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؟ أليست الأرزاق مقسومة ومقدرة من لدن حكيم خبير؟ أليست الأعمار مقدرة في كتابٍ مؤجل لا يستأخر عنه الإنسان ساعة ولا يستقدم؟ إذاً: فلم الخشية من غير الله عز وجل؟