[أمر الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته بالاستمساك بالقرآن]
نحمد الله تعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الحديث في هذه الليلة عن عظمة هذا القرآن العظيم الذي أنزله الله تعالى حجة لهذه الأمة أو حجة عليها، والله تعالى يقول:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف:٤٣ - ٤٤].
أما قوله تعالى:(فَاسْتَمْسِكْ) فإنه يختلف عن قوله تعالى: فأمسك؛ لأن الإمساك أقل من الاستمساك، والاستمساك معناه: العض عليه بالنواجذ، وأخذه بقوة، كما قال تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢].
والله عز وجل أمر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وأمر هذه الأمة عامة أن تستمسك بهذا القرآن، وأن تعض عليه بالنواجذ، وأن تحمله حملاً يختلف عن حمل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل؛ ذلك أن هذا القرآن العظيم هو خاتم الكتب السماوية، وأن حامله محمداً صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء وخاتم الأنبياء، وأن أمة القرآن هي آخر الأمم، فهي مسئولة عن حمل هذا القرآن وتبليغه للعالم أجمع في أرجاء الدنيا، وذلك جيلاً بعد جيل.
إذاً: هي مسئولية عظيمة، فيلزم هذه الأمة أن تستمسك به استمساكاً قوياً متيناً؛ حتى لا ينفلت منها.
والصراط المستقيم في قوله تعالى:(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو الطريق الذي لا انحراف فيه ولا اعوجاج، فدين الإسلام صراط مستقيم يبدأ في الدنيا، وينتهي في الجنة، كما قال سبحانه وتعالى عنه:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام:١٥٣].
وأنت يا أخي المسلم! في كل ركعة من صلواتك الخمس ونوافلك تسأل الله عز وجل أن يهديك هذا الصراط المستقيم الذي هو طريق الإسلام، وهو الطريق الذي يوصل إلى الجنة، فتقول في كل ركعة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:٦ - ٧] وهم المسلمون، أي: ليس بصراط اليهود المغضوب عليهم، ولا النصارى الضالين.