[السبب الرابع: اجتماع كلمة المسلمين وعدم التنازع والاختلاف]
السبب الرابع من أسباب النصر هو ما يدل عليه قوله تعالى:{وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:٤٦].
وهذا عامل مهم من عوامل النصر، فإن وحدة الصف تؤدي إلى ظهور مواطن القوة في أي تجمع مهما كان قليل العدد، وبالعكس من ذلك فإن الخلاف شر، والتنازع لا يؤدي إلا إلى الفشل والضعف، وقد بين الله عز وجل عواقب الفشل في هذه الآية بقوله:{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال:٤٦].
كما بين النبي عليه السلام الحكم على من سعى في تثبيط المسلمين، وذلك في حديث عرفجة بن شريح قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: (ثم ستكون بعدي هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر أمة محمد عليه السلام وهم جميع فاضربوه بالسيف)، وفي رواية أسامة بن شريك قال: قال عليه السلام: (فمن رأيتموه يريد تفريق أمر أمة محمد عليه السلام وهم جميع فاقتلوه كائناً من كان من الناس).
وهذا الحكم من الرسول عليه السلام إنما يدل على مدى خطورة الفرقة والنزاع على الصف الإسلامي، وقد تجلى هذا الأمر واضحاً في أحداث غزوة أحد؛ حين أقدم المنافق ابن سلول على ترويج بياناته المثبطة، والتي أدت في نهاية الأمر إلى رجوع ثلث جيش المسلمين معه إلى المدينة.
ومن هنا فإن التنازع والاختلاف في المجتمع المسلم له آثاره الخطيرة على الأمة، سواء كان هذا التنازع على مستوى الأفراد أو المجتمعات، إلا أن التنازع الأكثر خطراً هو الذي يتولاه ويحمل رايته أهل الريادة والزعامة في الأمة، والذين يمثلهم أهل العلم وذوو السلطان، فالدولة الإسلامية على مر العصور ما فتئت قوية يمتد سلطانها من مشرق الأرض إلى مغربها، إلى أن دب الخلاف بين الأمراء والسلاطين، فأضحى كل واحد منهم يكيد للآخر، إلى أن بلغ الأمر ببعضهم إلى أن يستعين بالنصارى الصليبيين على جيرانه من الإمارات المسلمة، حتى باتت إمارات المسلمين هدفاً لكل رام، وغرضاً لكل طامع، ومن أمثلة هذه الصراعات والتي سطرها التأريخ بالمداد الأحمر، ما حصل من صراعات وحروب بين أمراء الطوائف في الأندلس، والذي أدى في نهاية الأمر إلى سقوط الأندلس حاضرة الإسلام في أوروبا، والتي ما برح العالم يبكيها عقوداً من الدهر.