[فضل الزواج]
بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا * وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [النساء:١ - ٦].
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١]، والحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، والشكر لله المتفضل بالحلال عن الحرام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق هؤلاء الناس ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الناس أجمعين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.
أما بعد: إخواني في الله! إن أعظم ما من الله به على المسلم هو الخلق الفاضل، وطهارة العرض، ونزاهة النفس، وإن أخطر ما منيت به البشرية في تاريخها الطويل هو الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولذلك فإن الله عز وجل أغير من يغار، وإنه ليغار أن يزني عبده أو تزني أمته، وقد شرع سبحانه وتعالى الزواج؛ ليكون منفذاًَ للمسلم إلى الحلال بدل الحرام، وسيكون حديثنا في هذه الليلة إن شاء الله عن الزواج وما أحدثه الناس فيه، وما فرطوا تجاه هذا الزواج فكان سبباً في ضلال كثير من الناس، وانحراف كثير من الأخلاق، والغفلة عن كثير من الأحكام التي تتعلق بهذا الأمر، وعن الهدف النبيل من شرعية الزواج.
الزواج في اللغة العربية: ضد الإفراد، والزوج: ما يشكل رقمين.
والزوج له ثلاثة إطلاقات في اللغة العربية: يطلق على الذكر، ويطلق على الأنثى، ويطلق على الاثنين مجتمعين، تقول: هذا زوج فلانة، وتقول: هذه زوج فلان، وتقول للاثنين مجتمعين: هذان زوج، كما يطلق الزوج على الشبيه والنظير، قال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:٢٢]، والمراد بإزواجهم هنا: أشكالهم.
والزواج في معناه الاصطلاحي: هو قران الذكر بالأنثى، والزِّواج بكسر الزاي معناه: الفعل، أما بفتحها فمعناه المصدر.
والزواج سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حث الله عز وجل عليه في قوله: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:٣٢]، وسماه نكاحاً فقال: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣]، ولم ترد كلمة نكاح إلا بمعنى العقد إلا على رأي بعض المفسرين في قول الله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور:٣]، فقد قالت طائفة: إن المراد به هنا الوطء، وجمهور المفسرين على أن المراد به العقد، ويترتب على ذلك أحكام كثيرة.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الزواج وأمر بالمبادرة إليه فقال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: تكاليف الزواج- فليتزوج، ومن لم يستطع -أي: التكاليف- فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) أي: يحفظه من أن يقع في الحرام، ومعروف أن الصوم له هذه الفائدة.
وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
وقال: (إذا تزوج العبد فقد أكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر).
والزواج من سنن المرسلين قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى جعله أمراً لا تقوم الحياة إلا به، وكان المرسلون -وهم أسبق الناس إلى الفضائل- أكثر الناس أزواجاً، وأسرعهم إلى المبادرة بالزواج.