للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جزاء الخائفين من الله عز وجل]

ثم وعدهم الله عز وجل بالجزاء الحسن فقال سبحانه وتعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨]، فهم خافوا في هذه الدنيا فاطمأنوا في الحياة الآخرة، كما قال عمر بن عبد العزيز: إنه لا يأمن غداً إلا من خاف وحذر في هذا اليوم.

فالذين يضحكون في هذه الدنيا ملء أفواههم، ولا يبالون بما يقترفون من سيئات وعظائم وذنوب، يفعل أحدهم الذنب وهو يضحك، نقول لهم: إن الذين خلع قلوبهم الخوف من الآخرة والرغبة الشديدة في الجنة، والخوف العظيم من النار، والخوف العظيم من الحساب، والخوف العظيم من مزلة الصراط، هذا الخوف في الدنيا الذي جعلهم يتجهون إلى الله عز وجل هو الذي يؤمنهم يوم القيامة، والله تعالى يقول: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٨]، أي: يجزيهم بالحسنات، ويزيدهم سبحانه وتعالى بأن يعطيهم درجاتٍ ما عملوها في الحياة الدنيا، وهذا من كرم الله سبحانه وتعالى، ولذلك هناك زيادة على العمل، فإذا نشر الكتاب يوم القيامة للمؤمن وجد فيه أعمالاً لم يعملها، فيقول: يا رب! ما عملت هذه الحسنات، ولا عملت هذه الحسنات، فيقول له: كنت تفعل كذا، وكنت تفعل كذا، أي: أن هذه كانت هي السبب في الحصول على هذه الدرجات العلا التي يعطيها الله عز وجل للمؤمن والمؤمنة في الحياة الآخرة.

وقوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨] أي: يعاملهم بالحسنات، ويتجاوز عن السيئات ما داموا قد تابوا هنا، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٨] أي: يعطيهم زيادة؛ ولذلك صح في الحديث: أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة قال الله عز وجل: (يا أهل الجنة! هل تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تخلصنا من النار؟! فيقول: بلى، أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً)، وهذا أعظم ما يأخذه الإنسان في الحياة الآخرة من الجزاء، ويعطيهم الله عز وجل زيادة، فيكشف سبحانه وتعالى الحجاب فينظرون إلى الله عز وجل كما ينظر الناس إلى القمر ليلة البدر، لا يضامون في رؤيته، وهذا أفضل نعيم يحصل عليه المؤمن والمؤمنة في الدار الآخرة، وهو النظر إلى وجه الله عز وجل، وهو معنى قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، والزيادة على الجنة هي النظر إلى وجه الله عز وجل في الجنة، وهذا هو أعظم وأفضل وألذ أنواع النعيم التي يراها والتي يأخذها الإنسان في الحياة الآخرة.

إذاً: هنا يقول الله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٨]، أي: زيادة من عنده ليس من أعمالهم، وإنما هي حسنات ما عملوها؛ لأن الله تعالى كريم شكور حليم.

وقوله عز وجل: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٨]، أي: يعطيه أكثر من حقه دون أن يحاسبه، وإذا حاسبه وفاه حسابه، وأعطاه الله عز وجل بمنه وكرمه أموراً لم يفعلها.