لو رجعنا إلى الوراء قليلاً لوجدنا ما هو أعجب من ذلك! نجد رجالاً رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد، وعرفوا رسالة المسجد، لكن رسالة المسجد في أيامنا الحاضرة عند كثير من الناس أن تصلي وتخرج، وإذا تأخرت قليلاً سوف يغلق عليك المسجد، وبعد الصلاة ببضع دقائق تجد المسجد مغلقاً.
هذه ليست رسالة المسجد، بل رسالة المسجد أن يكون المسجد قطب رحى الحياة، وأن يكون المسجد كل شيء كما كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة عسكرية، وكان مجلس شورى، وكان مسجد عبادة، وكان مقر اعتكاف، وكان ملتقىً للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كان الرجل من الغرباء يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عنه، فيعقل بعيره عند باب المسجد، ثم يدخل فكأنه دخل في قاعدة عسكرية لا يخرج منها إلا وقد علم كل أمور دينه ودنياه، وعرف كيف يحارب عدوه؟ هذا هو المسجد الذي يتربى فيه الرجال؛ ولذلك فإن لنا أملاً في الله عز وجل أن يؤدي المسجد هذه الرسالة، لاسيما ونحن نرى حلق الذكر ومجالس العلم بدأت تعود إلى المساجد.
ولو تأملنا في سير السلف من الصحابة ومن بعدهم لرأينا كيف كان أثر المسجد في تخريج الرجال، ولأخذنا درساً لا ينسى من أولئك الرجال الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
فهذا أسامة بن زيد حينما كان عمره لا يتجاوز الثامنة عشرة، يجهزه الرسول صلى الله عليه وسلم ليقود جيشاً إلى بلاد الشام في أحلك عصور الإسلام وأشدها وأخطرها! وفي هذا الجيش كبار الصحابة كـ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة! وبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير هذا الجيش، ويحقق معجزة في فترة من أشد فترات تاريخ الأمة الإسلامية اضطراباً، وهي أيام الردة.