(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) المال، (وَزِينَتَهَا) القصور والمتاع والطعام اللذيذ، (فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلًا) والتمتيع هو مالٌ يدفع عوضاً عن الفراق، وهذا كان واجباً، ثم صار سنة عند فراق المرأة أن يدفع لها الزوج شيئاً من المال تطييباً لخاطرها عند الفراق، وإذا كان هناك مهر مؤخر فعليه أن يدفعه في مثل هذه الحال، وإذا لم يكن هناك مهر مؤخر فمن السنة والأفضل أن يمسح دموع هذه الزوجة المطلقة التي فاتها هذا الزوج الذي عاشت معه مدة من الزمن، ويسمى التمتيع، ثم يكون بعد ذلك الطلاق.
والطلاق: هو المراد بالسراح الجميل، ولا يجوز أن يكون ألعوبة بأيدي العابثين، ولذلك سماه الله تعالى سراحاً جميلاً، وهناك سراح غير جميل، وهو أن يتخذ ذلك الإنسان هذه المرأة ألعوبة يطلقها اليوم، فإذا أوشكت عدتها على النهاية راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها إذا أوشكت على النهاية، ثم طلقها، فبدلاً من أن تصبح العدة ثلاثة أشهر فتصبح تسعة أشهر، وهذا إيذاء للمرأة وليس بالسراح الجميل.
ولذلك فإن الطلاق الصحيح هو طلاق السنة: أن يعزم على الطلاق بعد أن يكون لا مناص هناك من الطلاق؛ لأن الطلاق هدم للأسر، فلا يقدم عليه الإنسان إلا في حالات ضرورية ملحة تلزم هذا الإنسان بالطلاق، أما أن يتسرع هذا الإنسان ويتخذ المرأة ألعوبة، فيتزوج اليوم ويطلق غداً لتصبح هذه المرأة غير مستقرة الحياة لا تبني لها عشاً ولا بيتاً فإن هذا لا يقره الإسلام، فلا يتزوج إلا وعنده رغبة في الحياة الطويلة معها، ثم عند الضرورة هناك علاج في القرآن في سورة النساء يذكر كيف يعالج الإسلام قضية الطلاق، وهو أنه إن كرهها فعليه أن ينظر إلى كثير من صفاتها الأخرى:{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}[النساء:١٩]، ويقول عليه الصلاة والسلام:(لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر)، قد تكون غير جميلة لكنها امرأة صالحة، قد تكون غير جميلة لكنها تنجب له أولاداً صالحين، وهكذا.
فالمسلم ينظر إلى المرأة من عدة جهات لا من جهة واحدة، ولذلك الذين يتسرعون في أمر الطلاق يخطئون في حق المرأة وفي حقوق أنفسهم، وفي حق الأولاد إن كان هناك أولاد، وفي حق المجتمع؛ لأن المجتمعات التي تكثر فيها المطلقات يكثر فيها الفساد، وهذا شيء مشاهد، لاسيما في عصر يكثر فيه النساء ويقل فيه الرجال، فلا تكاد المرأة المطلقة تتزوج.
ثم بعد ذلك إذا توترت العلاقات بين الزوج والزوجة فقد قال تعالى:{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ}[النساء:٣٤]، ثلاثة أنواع من أنواع التربية: وعظ وتخويف بالله، ثم هجر في المضجع، فإذا نام يجعلها على جهة القفا، فإذا لم ينفع فيها ضربها ضرباً غير مبرح، وهو نوع من التربية، وهذا الضرب وإن كان ضرباً تكرهه المرأة إلا أنه غير مبرح، وهو أيضاً لمصلحة المرأة؛ لأن هذا خير لها من الطلاق.
ثم بعد ذلك إذا أعيت هذه العلاجات كلها قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:٣٥]، فيتدخل العقلاء بعدئذ ويأتي حكمٌ من قبل الزوج وحكمٌ من قبل الزوجة، ويدرسان الوضع، فإذا وجدا أي طريق للإصلاح فعليهما أن يسعيا به، أما إذا لم يكن هناك طريق للإصلاح فلهما الحق في الفراق؛ لأن الله تعالى يقول بعد ذلك:{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ}[النساء:١٣٠]، هذا هو الطلاق في الإسلام، وليس هو الطلاق في نظر الجاهلية.