للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصراع بين الحق والباطل سنة كونية]

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والحمد لله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، لا راد لحكمه، ولا معقب لأمره، بيده القلوب {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:٦٣]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، الذي أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته.

أما بعد: فإن من يتتبع تاريخ البشرية يجد أن الصراع بين الحق والباطل قديم قدم وجود البشر على وجه الأرض، فهو صراع لا ينتهي أبداً حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولد مع الإنسان في أول خلقه، كما قال عز وجل: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:١٢٣]، وهذا هو الصراع بين الإيمان والإلحاد، وبين الإسلام والكفر، وتبقى معه فرقة ناجية حتى تأتي آخر لحظة من لحظات الحياة الدنيا وهي تكافح المنكرات، وتقدم النفس والمال في سبيل الله عز وجل، لا تتوانى أبداً ولو أظلم الجو أو اكفهر، فلابد من أن تبقى هذه الفرقة تصارع الباطل، ولربما تكون في بعض الأحيان الغلبة للباطل، لكنها ليست غلبة، وإنما هي زبد، وإنما هي الفتنة التي يقول الله عز وجل عنها: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان:٢٠] يعني: أتتحملون هذه الفتنة؟ وهي الفتنة التي تُعِّرف بالرجال، وتميز المؤمن الصابر من غير الصابر، وطريق الجنة تعترض على كثير من العقبات، كما قال الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:٢١٤] أي: الأمم السابقة، فلستم أنتم أول من ابتلي في طريق الجنة، {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤].

فقوله: (زلزلوا) يعني: كأن الأرض تهتز، وكأن كل الأرض أصيبت بالزلزال من تحت أقدامهم، مع أن الأرض ما تزلزلت، وإنما هو الخوف الشديد الذي أصاب المؤمنين على أيدي أعدائهم الكافرين والمنافقين والمفسدين في الأرض، فأصبح أمراً شديداً حتى كأن الأرض أصحبت تهتز من تحت أقدامهم، وزلزلت إلى أي حد؟ {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة:٢١٤].

تصور الرسول الذي يوحي الله عز وجل إليه مباشرة، والذي يأخذ من عند الله الوحي غضا طرياً، والذي تنزل عليه الكتب السماوية يقول: (متى نصر الله)؟ وتصورا كلمة (متى)، فإن أصلها في اللغة اسم استفهام، لكن هنا تحمل معنىً آخر غير الاستفهام، وهو الاستبطاء، أي: أبطأ نصر الله إلى أن يصل الشك إلى بعض ضعاف الإيمان الذين يعيشون مع المرسلين.

وفي مثل هذه الظروف يأتي نصر الله، وتأتي قبله البشرى: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤].